العيد في حلب عيدان وفرحها انتصار في الميدان
حلب ــ غالية خوجة
تتألق أفراح أهل حلب بين عيد الفطر السعيد وعيد الاستحقاق الرئاسي، فتشعّ الوجوه بفرح تأخر، لكنه وصل، وتعتّقَ ليتفتّح بمزيد من الشموخ والنصر والفخر. فكيف تبدو الوجوه والقلوب في مناطق حلب المختلفة المصرة على إعادة الحياة والسعادة إلى البشر والحجر؟
من مدينة الطرب والأدب تبدأ السماء أناشيد غيومها البيضاء ونجومها الخضراء وورودها الحمراء لتزدان بألوان العلم الوقور، وترافق أجواء العيد وهو يعود بعد العشرية الإرهابية الكونية على وطننا المنتصر إلى الشوارع والحارات والأزقة القديمة والأبواب التأريخية، لتشتعل الابتسامات من جديد، وتستعيد القلوب نبضاتها الأكثر محبة. وهذا ما تلاحظه وأنت تجول وتتجول في مناطق حلب المختلفة لا سيما القلعة ومقاهيها ومطاعمها التي تجمع الناس من كافة المناطق، متيحة لهم الحياة الباذخة بعفويتها وجمالياتها وحرياتها الشاملة.
تحلق أرواح الشهداء في سماء الوطن، وترفرف بين باب القلعة الكبير وخندقها ومحيطها وهي باسمة، ثم تصفق بأجنحتها لتصطحبنا إلى ساحة باب الفرج، وساحة سعد الله الجابري، والحديقة العامة حيث العيد سعيد بهذا الاكتظاظ الحلبي.
لقد اعتاد أهل حلب الاحتفال في هذه الأماكن، لذلك، ترى تجمعاتهم وهم يحتفلون على طريقتهم، وبطقوسهم، موزعين أيام العيد بين زيارات عائلاتهم، وقبور أمواتهم، ونزهاتهم التي تمنحهم حالة اجتماعية عامة تعكس الأمان والسلام والمحبة والطيبة والانتصار.
ولا يعني العيد في حلب المرح والحلويات والطبخ اللذيذ والعيديات واللباس الجديد والذهاب إلى مدينة الألعاب والمطاعم والكافيتيريات فقط، بل يعني إقامة الحفلات والأعراس، إضافة إلى مواصلة العمل.
كل ذلك يجعل العيدَ طفلاً يمشي مع هذه الموجات الحلبية كباراً وصغاراً وأطفالاً ويافعين وعائلات، وقد تجولت “البعث” في حلب، ولمحت بعض الباعة والمحلات ما زالت تعمل، وصادفتْ عامل بناء في مدينة حلب القديمة يمارس عمله ويبني ما دمّرهُ الإرهاب.
وضمن هذا الفرح العام الواضح من حركة الناس وأساريرهم وسيماههم وطرائق تعبيرهم عن سعادتهم، أتجه إلى القلعة عابرة بين هذه الجموع، فأرى عمال النظافة وهم يعملون ليلاً نهاراً محاربين الأوساخ، حينها، استوقفت أحدهم في الشارع المقابل للجامع الكبير، وسألته عن العيد، فأكد أنه سعيد لأنه يعمل من أجل حلب، وأضاف: نحب قائدنا وبلدنا وهذا هو عيدنا.
وفي الجهة المقابلة من الفرح، وبينما أرواح الشهداء سعيدة، كانت الجموع تدخل وتخرج من القلعة التي اشتاقت لها كثيراً لتستمد منها المزيد من الصمود والفرح بالانتصار، ثم تنتشر في اتجاهات مختلفة، مبتعدة أو مقتربة من بائع القهوة العربية الجوال وهو يقرع بصناجاته النحاسية، متباهياً بلباسه الفلكلوري، ما جعلني أقترب منه وأسأله عن العيد، ليجيبني: سعيد بعودة الوجوه الطيبة إلى العيد وعاش قائدنا وشهداؤنا وسوريتنا.
السعادة مثل الشمس تشرق من حلب الشهباء، لتزداد القلوب إنارة والأرواح بَصَارة، وتزداد الأفراح نضارة مع انتشار صواري العلم ورفرفات راياته الخفاقة بقلوبنا، فتكمل العيد وأنت تقرأ بين مكان وآخر، وساحة وأخرى: “مكملين معك”، كما تقرأ: “صوتك في الصندوق رصاصة في صدر المعتدي”.
وكيفما التفتت أرواحنا جذبتنا صور قائدنا بشار الأسد التي تمنحنا القوة والشموخ والمزيد من الثقة بوطننا وسمائنا وأرضنا وشعبنا ومستقبلنا، فنشعر بتألق انتصارنا الداخلي والخارجي وهو يلتحم مع ابتسامته المطمئنة الواثقة، مدركين أن العيد أعياد تزهر بضحكات الأطفال والعجائز والجرحى والشباب والصبايا، تزهر أعيادنا وتتأرجح مع حضورهم في مدينتهم من جديد، مهللين مزغردين: ما أجمل العيد في حلب، وما أجمل السماء وهي تزفّ ما يرفّ من أرواحنا غيوماً ووروداً وسنابلَ وزيتوناً وسندياناً وحضارةً عظيمة تضيء الأزمنة رغماً عن كل ظلام.