اللهجة في الدراما المشتركة وغياب التوظيف الدرامي!!
“البعث الأسبوعية” ــ آصف إبراهيم
عندما كانت الدراما المصرية سيدة الشاشة الفضية في العالم العربي، ودون منازع، لم تكن المشاركة الفنية العربية فيها مجانية، أو فائضة درامياً، كما هي اليوم، بل كان لها مسوغاتها الدرامية في سياق النص، فقد شكل حضور أي ممثل سوري أو لبناني أو خليجي، أو غيرهم في أي مسلسل مصري، ذاك الحين، إضافة مهمة لها ما يبررها ويفرضها مع اللكنة المحلية لصاحبها، والتي تأتي مستساغة ومقبولة ومحببة جماهيرياً، سواء على الصعيد المحلي أو العربي.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع التطور الكبير في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، وتبلور حالة تنافسية مع سطوع نجم الدراما السورية على وجه التحديد، وبدء خروج الدراما العربية من قوقعتها المحلية القطرية، شيئاً فشيئاً، من خلال ما بات يعرف بـ “الدراما المشتركة”، تمثيلاً فقط، دون الخروج عن نطاق المحلية، نصاً وبيئة، حيث بقيت متمسكة بهويتها المحلية على هذا الصعيد.. لهذا بدا حضور الممثل العربي في أي مسلسل محلي، حكاية وبيئة، شاذاً وغير مستساغ بلهجته المحلية غير الموظفة التوظيف الدرامي الصحيح الذي يخدم النص ويعزز تماسكه البنيوي.
ففي مسلسل “على صفيح ساخن” (للمخرج سيف سبيعي مع الكاتبين يامن حجلي وعلي وجيه)، مثلاً، استطاعت الفنانة الجزائرية أمل بوشوشة التغلب على عائق اللكنة الذي حرصت على تجاوزه منذ حضورها في مسلسل “العراب”، بعد ظهورها الأول في مسلسل “ذاكرة الجسد” عن نص مواطنتها الروائية أحلام مستغانمي؛ فقد سعت – كما فعلت التونسية هند صبري، في السينما المصرية – أن تكون سورية الملامح في الدراما السورية، ولبنانية الهوية في الدراما اللبنانية؛ لكننا نجد، من جانب آخر، أعمالاً مشتركة عديدة أهملت ضرورة وفائدة التوظيف الدرامي لـ “اللكنة” المخالفة لهوية المسلسل المحلية والعامة، فقد يسأل المشاهد لمسلسل “حرب أهلية” عن المسوغ الدرامي لحضور باسل خياط بلكنته الشامية في مسلسل، مصري الطابع والهوية، مع النجمة يسرى، رغم محاولات خياط مقاربة اللهجة المصرية في أعمال كثيرة نظراً لحرصه الشديد على تفضيلها عن غيرها، وجعل حضوره الدائم فيها ضمن أعلى درجات سلم أولوياته، حتى على السورية منها!!
كذلك، بالنسبة للنجمين عابد فهد وسلوم حداد في الحكاية الدرامية اللبنانية “350 غرام “، حيث لا يوليان اللهجة أي اهتمام، بل يؤديان الشخصية بلهجتهما السورية الصرفة، ما يجعل أداءهما مربكاً عاجزاً عن التناغم مع المحيط البيئي للنص، بسبب غياب المبرر الدرامي الذي يمنحهما القوة والثقة في الأداء والإقناع؛ وأيضاً قصي خولي في الدراما اللبنانية حكاية وإخراجاً، والموسومة بـ “2020”.
هذا الجانب كثيراً ما كان يحرص المخرجون السوريون على توظيفه بحرفية عالية في أعمالهم السورية، هوية وملمحاً، عند الاستعانة بممثل لبناني أو مصري، أو غيره، كحضور ممثلة مصرية في مسلسل “مقابلة مع السيد آدم”، للنجم غسان مسعود، والذي تعثر لحاق جزئه الثاني بالموسم الرمضاني الحالي – مثلاً – أو ضمن توظيف درامي يعزز النص، ويحقق له التواصل الجماهيري دون عوائق مربكة؛ كما هو حضور الممثلين اللبنانيين يوسف الخال، وورد الخال، وبيير داغر، في دراما البيئة الشامية “خاتون”، على سبيل المثال لا الحصر، حيث كان دور داغر والخال ضابطين في الجيش الفرنسي، وهذا ما يسوغ وجودهما ضمن تفاصيل يوميات الحارة الشامية، بمفهومها التاريخي ومنظورها الدرامي.
هناك الكثير من الأعمال المشتركة التي لم تراع ضرورات التوافق السيكولوجي في رسم معالم العمل الدرامي، ومنها “اللهجة المسوغة درامياً”، الأمر الذي يضعف تماسك العمل وقدرته على شد المتلقي وإقناعه برسالة النص، لاسيما وأن الدراما العربية ما زالت محصورة ضمن بؤر محلية ضيقة تنشد رؤية انعكاس لها يتبنى قضاياها الاجتماعية والإنسانية، حتى أنها أصبحت في السنوات الأخيرة لا تنشد من حضور الممثل العربي في أي عمل سوى الجانب التسويقي، أو الاقتصادي المالي، لاسيما بالنسبة لظهور الفنانين العرب في الدراما المصرية، والذين يحققون فائدة مزدوجة لأي مسلسل: فائدة تسويقية من جهة، وفائدة ضعف أجر النجم العربي مقارنة بالنجم المصري من جهة أخرى؛ فالأجر الذي تتقاضاه يسرا في مسلسل “حرب أهلية” يقارب ضعف أجر باسل خياط، وهكذا لم يعد للتوافق “اللهجوي” والسيكولوجي عموماً أهمية تذكر في السياق العام للنص، أو التوظيف الإبداعي لتعدد “اللكنات” ضمن النسق الدرامي الواحد، طالما الميزة الاقتصادية هي الهدف.