“أقـل مـا يـقـال” إلى متى يبقى “الخاص” يستسهل الفرص؟
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
للأسف.. لا يزال القطاع الخاص يعمل وفق مبدأ “أنا والطوفان من بعدي”.. ويتبدى ذلك واضحاً من خلال إصراره على النأي بنفسه عن المساهمة بالعملية التنموية الاقتصادية الإنتاجية الحقيقية، والتي تتطلب إرادة عمل جادة تستهدف تركيزاً على الإنتاج بشقيه الصناعي والزراعي؛ لا بل حتى المشاريع الريعية، ذات الربح السريع والمضمون نسبياً، لا يقبل بها إلا إن كانت نسبة المخاطرة شبه معدومة أو معدومة…!.
نستحضر، في هذا السياق، ما سرده لنا أحد المفاصل الحكومية التنفيذية من حوار دار بينه وبين أحد المطورين العقاريين، وذلك خلال لقائه بهم في إحدى الندوات، وكانوا وقتها يتنازعون على المناطق العشوائية الخالية من التعقيدات بغية الحصول على نسب بناء عالية لتشييد أبراج سكنية، فقال لهم: لماذا لا تستثمرون وتطورون المناطق المعقدة، طالما أنكم مطورون عقاريون وطنيون؟!
فأجابوه: إننا نبحث عن المناطق السهلة ذات الجدوى الاقتصادية..!.
فردّ عليهم: هذا استغلال عقاري وليس تطويراً عقارياً، لأنكم تريدون أخذ المناطق الزراعية، وتستغلونها بعد تغيير صفتها العمرانية..!.
يعكس هذا الحوار البسيط – بلا شك – مدى تدني جدية تعاطي القطاع الخاص مع الفرص الاستثمارية، وجنوحه نحو الميسّرة منها، بغض النظر عن انعكاساتها التنموية..!.
رغم أن التشاركية – وفق رؤية البعض – هي السبيل الأمثل لإشراك القطاع الخاص في التنمية، إلا أنه لحد الآن لم يبصر أي مشروع النور بموجب هذا المفهوم، علماً أنه مضى على صدور قانون التشاركية ما يزيد عن 5 سنوات، وكان هناك تعويل كبير أن يساهم هذا القانون بتفعيل الاستثمار بشكله الأمثل.
والشيء بالشيء يذكر: لعل أبرز ما نصبو إليه من مخرجات تطبيق هذه التشاركية هو حاجتنا اليوم إلى رأس مال أكثر من أي وقت مضى، في ظل وجود نقص سيولة، قياساً بالمطلوب لتنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية، أو إعادة انطلاق المتوقف منها، خاصة تلك المتعلقة بالبنى التحتية؛ ونسوق في هذا المقام مثالاً طالما تغنت به محافظة دمشق، وهو مشروع المترو الذي لا يزال حبراً على ورق.
ولعل أبرز ما ترنو إليه الحكومة، عبر هذه التشاركية، هو إتاحة الفرصة لترشيد الإنفاق العام المتعلق بالشق الاستثماري، مع الإشارة هنا إلى أن المقصود بالترشيد ليس ضبط نفقات القطاع العام فقط، وإنما توظيف رأس المال الناتج عن هذه التشاركية في المشاريع التي تحقق أكبر كفاءة لاستخدامات رأس المال الحكومي، وبالوقت نفسه الاستفادة من الخبرات والمرونة والديناميكية التي يتمتع بها القطاع الخاص في المجالات التسويقية والفنية والإدارية، وبالتالي تحقيق مردود لهذه المشاريع يستفاد منها الشريكان.
نعتقد أن التشاركية تزداد أهمية اليوم في ظل ما يعصف باقتصادنا من أزمة أطبقت الخناق على القطاعات كافة، والحاجة الفعلية للسيولة للنهوض بالعملية التنموية، فعندما نشجع القطاع الخاص ليكون شريكاً فهذا يعني إتاحة المجال لسحب ودائعه المتكدسة في المصارف، سواء العاملة في سورية أم في نظيرتها الخارجية، وتوظيفها بمشاريع استثمارية داخل القطر.
لكن لا بد من التركيز على ضرورة إدخال رأس مال بطريقة مدروسة لمشاريع استثمارية وليس للمضاربة، بحيث تكون البوصلة موجهة نحو استعادة الإنتاج المحلي في كثير من القطاعات التي غابت في ظل الأزمة، سيما المشاريع ذات المواصفات العالية، التي نستطيع من خلالها التوجه إلى الأسواق الخارجية.
يبقى أن نشير إلى أن قانون التشاركية وتعليماته التنفيذية قد راعيا، بصيغة قانونية دقيقة، مسائل تنظيم التعاقد مع القطاع الخاص ودراسات الجدوى الخاصة بالمشاريع، بحيث تتحقق الفائدة الأمثل للطرفين المتعاقدين؛ كما ولم يغب عن بال المشرع عدم المساس بكافة حقوق العاملين في القطاع العام، وأن لا تتحول هذه التشاركية، بأي حال من الأحوال، إلى شكل من أشكال الخصخصة، وكذلك تمت مراعاة موضوع التسعيرة الخاصة بالمنتجات والخدمات الأساسية، بحيث لا يتم تحميل المستهلك نفقات وأعباء إضافية، وأتاح القانون في بعض مواده إمكانية تقديم الدعم الحكومي لبعض القطاعات التي تعتبر أساسية في حياة المواطن.