الأسواق الشعبية في حماة.. التجربة فشلت فهل ينجح مجلس المدينة بإنعاشها؟!
“البعث الأسبوعية” ــ منير الأحمد
يبدو أن تجربة الأسواق الشعبية التي أقرتها الحكومة العام الماضي لم تلق الرضا والقبول في مدينة حماة التي باتت أسواقها اليوم خاوية على عروشها، فلا حركة ولا حياة فيها، وإنما باتت فارغة من شاغليها؛ فالبعض منها تحول إلى مكبات للقمامة وكراجات للسيارات الخاصة، إضافة إلى أن قسماً منها هبط على الأرض نتيجة الرياح وعدم وجود من يعيدها إلى مكانها.
ورغم أن المواطنين عقدوا آمالاً عريضةً على الأسواق الشعبية، ولكن “يا فرحة ما تمت!”، لأنها لم تحقق ما تمنوه، وما كانوا يرجونه؛ لأنها لم تحقق الفكرة الأساسية من إحداثها، لا من ناحية الأسعار ولا من ناحية النوعية، فأسعارها قريبة من أسعار مثيلاتها بالأسواق، إن لم تكن نفسها، لأن أغلب من يبيع هم تجار عمدوا إلى شراء بضائع من سوق الهال، وأما نوعيتها فهي عادية، لأنها المواد المتوافرة بسوق الهال ذاتها، إضافة إلى اقتصارها فقط على بيع أنواع محددة من الخضار والفواكه.
هذا الأمر بدا واضحاً من خلال الجولة الميدانية التي قامت بها “البعث الأسبوعية” لأسواق أحياء الشجرة، وضاحية أبي الفداء، وطريق حلب، باستثناء السوق الشعبي في حي جنوب الملعب الذي بدا أكثر نشاطاً وحيوية من غيره، بسبب موقعه الحيوي في منطقة شعبية مكتظة بالسكان.
مكان غير لائق
وحيداً، وقف أحمد الميناوي في السوق الشعبي بحي الشجرة يبيع البطيخ الأحمر والأصفر، وينادي بأعلى صوته دون أن يجد من يسمعه من شاغلي السوق، باستثناء قلة من الزبائن الذين يضطرون للمرور بجانب هذا السوق، كون المنطقة لا تشهد حركة مواصلات إليها، وخاصة السرافيس؛ لذا فإن البائع الوحيد اعتبر أن مكان السوق غير لائق، ويجب نقله إلى مكان أخر، على الرغم من أن الهدف الذي أنشئ من أجله هو إجبار البسطات المنتشرة في السوق الرئيسي، بضاحية 8 أذار، للبيع فيه بما يخفف الازدحام ويسهل الحركة المرورية.
وتساءل الميناوي: لماذا قام شاغلو السوق الشعبي في هذا الحي بدفع رسوم الإشغال ثمناً لتكاليف إشادة الموقع من حديد وشادر، إذا كانوا لا يريدون الاستفادة منه؟ ولماذا لا تقوم بلدية حماة بإجبار هؤلاء الشاغلين على الالتزام بالمكان الذي تم تخصيصهم به؟ وأين هم الفلاحون الذين كان من المفترض أن يطرحوا محاصيلهم الزراعية فيها دون حلقة الوسيط مع المستهلك، وبالتالي تكون الأسعار أقل من السوق المحلية؟
تجربة فاشلة
وعند وجودنا في السوق الشعبي في حي الشجرة، التقينا بالمواطن سعيد برازي، الذي صادف مروره بجانب السوق دون أي التفاتة لمعرفته أن هذا السوق خال من شاغليه.. سألناه عن رأيه بتجربة الأسواق الشعبية، رد قائلاً: “إنها كفقاعات الصابون.. لا لون ولا طعم ولا رائحة لها، فرغم كل حملات التطبيل والتزمير لهذه الأسواق التي كان الهدف منها دعم القدرة الشرائية للمستهلك، إلا أننا وجدنا أنها ما زالت حبراً على ورق، ولم يتم الالتزام بها، وكأن القرارات الحكومية لا تلقى قبولاً وتطبيقاً من الجهات المعنية، وإنما هي عبارة عن تطبيل إعلامي لا أكثر ولا أقل”.
مواقف للسيارات
وفي السوق الشعبي، بضاحية أبي الفداء، هدوء تام، فالمحلات فارغة ومحلات الإشغال معظمها تأثر بالرياح وانزاح سقفه، وقسم آخر بدا مرمياً على الأرض دون أن يجد من يعيده ويصلحه من جديد، والأكثر غرابة أن يتحول هذا السوق إلى كراج للسيارات الخاصة!!
أسعار مرتفعة
بالمقابل، بدا السوق الشعبي بحي جنوبي الملعب الوحيد الذي تعج فيه الحياة، ويشهد حركة بيع وشراء جيدة، ولكن الملاحظ أن أصحاب الإشغالات ليسوا فلاحين كما كان مخططاً له سابقاً، حيث كان من المفترض أن يعرضوا محاصيلهم من الحقول إلى السوق لإلغاء حلقة الوسيط، ولكن أصحاب الإشغالات هم التجار أنفسهم الذين كانوا يعرضون بضائعهم في الشارع المقابل لهذا السوق، وبالتالي لم يتحقق الهدف المنشود من إقامة هذه الأسواق.
السيدة أم أحمد قالت أن الأسعار في السوق الشعبي لا تختلف كثيراً عن الأسعار في الأحياء المجاورة التي لا يوجد فيها أسواق شعبية، كما أنها أكثر غلاءً من البضائع الموجودة في سوق 8 أذار، أو حتى في حي الحاضر؛ وبالتالي، انتفت عنها الأسواق الشعبية، وبالتالي أفرغت من مضمونها، ولكن “ما باليد حيلة!”، فنحن مضطرون للشراء منها، بدلا من التنقل إلى أماكن بعيدة.
بحاجة إلى إعادة تقييم
من جهته، رد رئيس مجلس مدينة حماة الجديد، المهندس معاوية جرجنازي، على الاتهامات الموجه للمجلس بإهمال الأسواق الشعبية قائلاً: أنا غير راض عن واقع الأسواق الحالي، لذا سنقوم بإعادة تقييم شامل لها من أجل تحقيق الغاية المرجوه من إقامتها، وخاصة توفير المنتج من الفلاح إلى المستهلك دون وسيط؛ وبالتالي، البيع بسعر أقل من الأسواق الأخرى، خاصة وأن هذه الأسواق تحولت إلى مراكز تجارية لاهم لشاغليها إلا بالربح دون التفكير بحاجات المستهلكين، مبيناً أن الهدف المقبل لعملنا ينحصر بأمرين: إما إعادة تقييمها وإنعاشها من جديد، أو إيقافها نهائياً إذا لم تلب الهدف المنشود؛ لذلك قد تلجأ إلى تغيير أماكن هذه الأسواق، ووضعها في أماكن أخرى تكون أكثر جدوى، وتلقى إقبالاً واسعاً من الزبائن وتلبي حاجات المستهلكين.
ولفت إلى أنه سيكون هناك تنسيق كامل مع مجلس المحافظة كونه الجهة المسؤولة عن هذه الأسواق – بالتشاركية معنا – لإعادة تفعيل هذه الأسواق، حيث يوجد حالياً أربعة أسواق: ثلاثة منها غير مفعلة، وهي سوق الشجرة وضاحية أبي الفداء وشرقي البحرة، فيما سوق جنوب الملعب هو الوحيد الذي يعمل بشكل جيد، ويشهد حركة تسوق واسعة، رغم أن الأسعار ليست ضمن المقبول، علماً أن تسعير المنتجات الموجودة فيه هي من اختصاص مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مبيناً أنه سيتم العمل على تلبية مطالب شاغلي هذا السوق بإنارته ليلاً، إذا اقتضت الحاجة؛ مع التذكير بأننا لم نتقاض سوى مبلغ مادي رمزي من الشاغلين عند افتتاح هذا السوق، وذلك لقاء تكلفة إقامة المكان المخصص لكل شاغل، لأن هدفنا من هذه الأسواق ليس الربح وإنما دعم المواطنين بالدرجة الأولى.
هدفنا دعم المستهلك ولكن!!
بدوره، أشار عضو المكتب التنفيذي المختص لمجلس محافظة حماة، طاهر عيسى، إلى أن إنشاء الأسواق الشعبية كان دعم المواطن بالدرجة الأولى، ولكن ذلك لم يتحقق، فالمزارع الذي أخذ مكاناً له في هذا السوق كان من المفترض أن يأتي بمحصوله إلى السوق، ويبيعه بشكل مباشر، ولكن هذا الأمر صعب التحقيق، فالكمية الذي أنتجها غالباً ما تكون كبيرة، ولا يمكن بيعها خلال يوم واحد، وهو غير قادر على الاستمرار ببيعها، مدة يومين أو ثلاثة أيام أو أكثر، لذا يضطر لبيعها في سوق الهال دفعة واحدة. ونحن، كمحافظة، غير قادرين على إلزامه ببيعها بالسوق الشعبي، لأننا بذلك نعرضه لخسارة كبيرة، وهذا ليس بصالح الفلاح الذي عانى كثيراً هذا الموسم من أعباء ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، وخاصة المازوت والأيدي العاملة وأجور النقل، لذا من غير المنطقي أن نكبده خسائر إضافية، مبيناً أن هناك دراسة بالتعاون مع مجلس المدينة لإيجاد صيغة مناسبة لتفعيل هذه الأسواق، بما لا يضر الفلاح، وبما يحقق الفائدة المرجوة للمستهلك الذي عول كثيراً على هذه الأسواق الشعبية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الذي يعيشها قطرنا، بسبب الحصار الاقتصادي الجائر.
أخيراً
يمكن القول إن إنشاء أسواق شعبية فكرة جيدة، ولكن الواقع الحالي لها لا يلبي طموح المواطنين، لذا لابد أن تبادر الجهات المعنية بحماة الى تغيير واقع هذه الأسواق، نحو الأفضل، إذا ما أرادت لها الاستمرار، وإلا فإن إغلاقها هو الحل الأمثل، لأن التغني بشعار دعم المستهلك لم يعد يجدي عند المواطن الذي يصرخ اليوم بأعلى صوته: نريد أفعالاً، لا أقوالاً!!