الكيان الصهيوني يعبث بأمن الدول
محمد نادر العمري
في إطار خلفية الفضائح التي نجمت عن كشف حقيقة قيام الكيان الإسرائيلي ببيع برنامج التجسّس والمعروف باسم “بيغسوس” لعدد من الدول العربية والعالمية ولمختلف المؤسّسات الحكومية وغير الحكومية، ازدادت المتابعات داخل الكيان وخارجه لسلوك أجهزته الرسمية وغير الرسمية في المرامي الكامنة خلف هذه الأجهزة وما يرتبط بها من بيع معدات عسكرية وأمنية مرتبطة بتقنيات لوجستية تتعلق بالمسّ بأمن الدول كسقف أعلى والأمن الشخصي في حدوده الدنيا، وهو ما يضعنا أمام شقين من الخيارات التحليلية التي يستوجب الوقوف عندها:
الأولى، لماذا تقدم “تل أبيب” على بيع إحدى تكنولوجياتها التجسسية للعالم، ولا تخشى وصول هذه التقنية لأعدائها من محور المقاومة والفصائل الفلسطينية واستخدامها ضدها في مرحلة معينة؟.
والثاني، من يقف خلف هذا البيع لهذه التكنولوجية الأمنية، ومن المسؤول عن كشف بيعها، وهل هي مرتبطة فقط ببرنامج تجسسي فقط كما سرّب وأذيع عبر وسائل الإعلام ومن ثم من بيانات وتصريحات جهات حكومية وغير حكومية؟.
للتوقف عند هاتين النقطتين لابد من التذكير أولاً بأن أحد ثوابت الصهيونية ومن خلفها وليدتها “إسرائيل” كان يرتكز وبشكل دائم على ركيزة الحفاظ على التفوق الأمني والعسكري والتكنولوجي وبدعم غربي وخاصة الأمريكي، ما يجعل الكيان القوة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد أن هدف قيام جهة ما في الكيان ببيع برنامج هو خدمة الكيان في عدة مجالات أبرزها:
- إن للبرنامج وفق التقديرات الأمنية القدرة على امتلاك “داتا” تمكن الجهة المصنّعة من التجسس -شركة (NSO)- على الجهات المتجسّسة التي بيعت لها هذه التقنية، وفي هذه الحالة تتمكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من التجسس على طرفين معاً الجهة المتجسسة والجهة المتجسس عليها، وهو ما يمنحها القدرة على امتلاك “داتا” معلومات قومية وشخصية.
- إن امتلاك قدر كبير من المعلومات والفضائح والبيانات يمكن “إسرائيل” من توظيفها ضد أي جهة لاستغلالها لتلبية مطالبها أياً كانت أو للضغط عليها لتغير مواقفها، بما في ذلك الدول الأوروبية وزعماؤها الذين يأخذون موقفاً أكثر اعتدالاً من الأمريكيين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وطريق لـ حل النزاع ومسألة الاستيطان وحق العودة للاجئين.
- إن بيع مثل هذه التكنولوجية المتقدمة يحقق قدرة مالية ضمن ما يُسمّى المجمع الصناعي العسكري والأمني الإسرائيلي ويحوله لأحد أهم مصادر الصناعة في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي الإسرائيلي والعالمي على خلفية جائحة كورونا، كما يمكن الكيان من زرع جواسيس له حيث تشير بعض المعلومات إلى أن الخبراء الذين لديهم الخبرة في إدارة هذا البرنامج هم إسرائيليون وهم جزء من العقود المبرمة، وهو ما يعطي الكيان مزيداً من التأثير والتغلغل داخل الدول ويزيد من الأموال المحصلة.
هناك ركيزة مهمة يمكن ذكرها في هذا الإطار، وهي أن “إسرائيل” من مصلحتها أن تتعاون مع دول التطبيع العربي في هذا المجال، فهي تحقق من جراء ذلك قدرة التأثير على هذه الدول وتتحكم ببعض قراراتها وتضغط عليها نحو تطبيع علاقاتها وتوسيعها مع الكيان، وربما يكون من مصلحة الكيان وصول هذه التقنية لأعدائها اعتقاداً منه أن ذلك يوفر وسيلة للتجسس عليهم أيضاً.
بينما يتمثل المسؤول عن بيع هذه الأجهزة التي تعتبر نوعية بالمؤسسات الرسمية وخاصة جهاز الموساد، بالتزامن مع ما كشفته صحيفة “هآرتس” في تقريرها نهاية شهر تموز الماضي أن “إسرائيل” حققت مبيعات بأرقام خيالية لهذا الجهاز وربطت بيعه بشرط بيع نوعية من الأسلحة المتراكمة لديها، وهو ما شكل صفعة مؤلمة شبهتها الصحيفة بذبح “البقرة المقدسة”، باعتبار أن كشف هذه الفضيحة ودور “إسرائيل” وأجهزتها في التجسس على أبرز زعماء العالم سبّب حرجاً لصورة الكيان في الخارج، ولذلك لجأت المؤسسات الحكومية لاتهام الشركات الخاصة بفعل ذلك دون علمها وموافقتها، وهو كلام واتهام غير صحيح وتدركه النخب الدولية، لأن الصناعات التكنولوجية وخاصة الأمنية والعسكرية تتمّ تحت مراقبة الأجهزة الحكومية ولمصلحتها في الكيان، ولا تستطيع أي شركة منتجة أو ممولة بيع أي من منتجاتها دون موافقة خطية ومبرمة من الجهة الحكومية المختصة، وفي بعض الأحيان تستوجب موافقة الحكومة المصغرة.
منذ عام 2017 هناك طلب من الحكومة الإسرائيلية لتشكيل شركات إسرائيلية، مهمتها العمل في الخارج لمصلحة الجهات الاستخباراتية، ومن تلك الشركات “آسيا غلوبال تكنولوجي” السويسرية، التي يديرها رجل الأعمال الإسرائيلي- الأمريكي ماتي كوخافي، وهي فازت بعقد بملايين الدولارات لبناء مشاريع للحفاظ على الأمن الداخلي في دولة الإمارات. والشركة التي أقامها قائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق، إيتان بن إلياهو، التي تقوم بتشغيل كبار القادة السابقين في الشاباك الإسرائيلي، وفي شُعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) ومهمتها “حراسة” مناطق حيوية في الخليج.
أما المسؤول عن كشف ذلك فإن أصابع الاتهام تتوجّه باتجاه رئيس الحكومة السابق وزعيم المعارضة الحالي بنيامين نتنياهو الذي يريد تأزيم وضع الحكومة الحالية أكثر، ولن يتوانى عن كشف المستور من الفضائح والتي ربما يكون هو عرابها خلال السنوات الماضية لتحميل حكومة بينت مسؤوليتها وإضعاف شعبيتها!.