ثقافة

كوميديا 2016.. ثقافة الندرة أم النزوع إلى الاستهلاك؟

على الرغم من التندر بقلة الأعمال الدرامية التي أُنتجت هذا العام وفي الموسم الدرامي 2016، إلا أن المتابع لبعضها إن لم يكن كلها، سيقف على غير سؤال يختص النوع الدرامي الكوميدي، أي في مساءلة ذلك المنتج بعينه كيف يؤسس لثقافة مختلفة، لا تعتمد الإبهار أو محاكاة أعمال بعينها، وذلك استرضاءً للمتلقي وتحت ذرائع شتى ليس آخرها استدرار الضحك المجاني أو التنفيس فحسب، إن لم يرتبط هذا النوع الدرامي بلحظة الكوميديا ونزوعها إلى التجاوز وخلق الحوافز لتلك الأسئلة، فهو سيفضي إلى المجانية والتي يطمئن معها المتلقي إلى التخفف من ثقل القضايا الكبيرة، ليذهب إلى محكيات مقتصدة ليس بالضرورة أن تحمل قيمة، بقدر ما تخلق أجواء من المؤانسة والإمتاع وخفة الظل، تلك الثقافة العابرة والتي لا تحتاج الكوميديا كفن راق ومؤسس لتقاليد عتيدة.

وبطبيعة الحال لا نقصد العمل الدرامي الذي جاء بعنوان «سليمو وحريمو» أو البرنامج الخفيف والذي جاء بعنوان «ليموزين النجوم» وإنما نتطير إلى ظاهرة أصبح معها القول بالعمل الكوميدي قولاً مجرداً من قواعد معينة فيما يتنكب كتّاب وصنّاع الكوميديا إلى البحث عما هو سريع وليس مجاني فقط، وبلا نكهة أحياناً، ولكن بحساب ما تُنجزه بقعة ضوء في نسختها الجديدة من أنها كسرت النمط وخلقت ما نسميه هنا بثقافة الصورة ومضمونها، فضلاً عن التنويع في الكوميديا السوداء، وهذا لا يعني أنها قاربت الأزمة انعكاسياً فقط، وإنما ذهبت لتلك التجليات المجتمعية والأسئلة الخفية التي تمور في أذهان الناس لتصبح بحق فرجة إلى الداخل أكثر منها فرجة إلى الخارج، وبذلك تصنع الكوميديا لحظتها دون أن يُشتق منها ذلك الضحك المجاني والذي غالباً ما ينتهي بانتهاء الحدث الدرامي، ولا يحفر بانتهائه أسئلة تطاول واقعنا ومحكياتنا اليومية، والسؤال الكبير هل أصبحت الكوميديا ترفاً فحسب؟ حتى تكون حصتها من  الندرة بمكان، علماً أنها بوصفها فناً راقياً مازالت تبحث عن غير شكل لها، لأن استجابة الجمهور والمتلقي ليست على وتيرة واحدة، أي بمعنى إن مساحة الأعمال الاجتماعية والتاريخية مضافاً إليها دراما «البيئة الشامية» ليست هي ما يخلق التوازن المطلوب، بل إن ثمة ما يتكامل في وعي المتلقي/ الجمهور.
فاجتزاء عمل أو اثنين من تلك المساحة الدرامية لا يعني تعطيل الإحساس بقدرة المنتج الدرامي، -بغض النظر عن غرضه- بل نذهب إلى الأعمال التي لا تُحتمل خفتها الآن، ولا يمكن أن تبرر بالشرط الإنساني، أو بمناخ الاستهلاك واللحاق خفية بما يمكن أن ينزع التوتر عن الحياة الاجتماعية، ويقاربها بمحكيات هي أقرب إلى «التساذج» منها إلى الجدية المفترضة.
وبوسع منتجي الدراما في هذا الحقل بالذات أي الدراما الكوميدية، أن ينوعوا شرط أن لا يُخلّوا بالشرط الفني وبالإيهام أن الناس يريدون هكذا، وبمستوى آخر يستبطنون اللا ثقافة، وهذا بالمحصلة يطيح بقدرات التلقي المنتجة على أن تقف بصرف النظر عن النوع الدرامي على قدرات الفن، فالواقع بكثافته وجديته لا يفترض بالمقابل الهبوط بالنمط الدرامي، إن لم يكن هذا النمط وسواه أكثر قدرة على المحاكاة والتجاوز وخلق أسئلة جديدة في الوعي.
يستطيع صنّاع الكوميديا لا أن يراهنوا على كثافة أعمال بل على النوع وحده وهو الذي يخلق الجدية المفترضة في الاستقبال، ومقاربة ثغرات الواقع المعاش، ففي أكثر لوحات بقعة ضوء ثمة ما يعاضد هذا المعنى والسياق، إذ إن المفردات الدرامية التي صيغت كتأسيس لأفق جديد، كانت أكثر قدرة على التقاط اليومي والمهمش والجميل والقبيح، ومحاكاة الواقع لكن بقدرات أعلى من أن يكون الواقع ذاته صورة فقط.
أحمد علي هلال