الحرائق تهدد بإغراق مدن تركية في الظلام.. ونيران الغضب الشعبي ضد أردوغان تتأجج
في غضون أيام قليلة، تحوّلت أكثر من 25 محافظة في تركيا إلى جحيم. مع استمرار حرائق الغابات في اجتياح ساحل البحر الأبيض المتوسط بأكمله في البلاد، تاركاً الغابات المحروقة والحيوانات المتفحمة، أظهرت السلطات المركزية والمحلية في تركيا فشلاً هائلاً – شبه ثابت – في مكافحة الكارثة. أدى عدم الاستعداد واليأس الظاهر إلى تأجيج نيران الغضب العميق بين السكان، الذين يشعرون بالفعل بعواقب أزمة سياسية واقتصادية عصفت بأرض البلاد منذ شهور.
حرائق الغابات في تركيا، على عكس مسار التصريحات الرسمية، تتجه إلى الخروج عن السيطرة، بينما تقترب أكثر من مناطق سكنية في بعض الولايات ومن محطة حرارية لتوليد الكهرباء، في تطوّر يأتي بينما يزداد الضغط بشكل غير مسبوق على التيار الكهربائي، ما سبب في انقطاعات واضطرابات في التيار ببعض المناطق بينها أنقرة واسطنبول كبرى المدن التركية.
ويتسارع حريق هائل باتجاه محطة حرارية لتوليد الكهرباء في تركيا، فيما يعمل مزارعون على جمع قطعان الماشية المذعورة وسحبها باتجاه الشاطئ، مع استمرار موجة الحرائق، التي أوقعت ثمانية قتلى لليوم السابع على التوالي.
وتواجه البلاد التي يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة، الحرائق الأكثر فتكا منذ عقود وقد قضت على مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية الغنية الممتدة على سواحل البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه.
واضطر سياح خائفون إلى الهروب من الفنادق والمنتجعات على متن قوارب بحثاً عن الأمان، تزامنا مع إخلاء عشرات القرى، بعدما أدت الرياح العاتية والحرارة المرتفعة إلى تمدّد ألسنة اللهب بسرعة.
وشوهد مزارعون في مدينة مرماريس الساحلية وهم منهمكون في إنقاذ المواشي من حظائر محترقة وعملوا على دفعها باتجاه الشاطئ الآمن نسبياً.
وتتزامن الحرائق مع سيطرة موجة قيظ قياسية على جنوب شرق أوروبا، يربطها مسؤولون في دولة اليونان المجاورة، حيث اندلع حريقان صغيران، بعامل تغير المناخ.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة، التي تجاوزت 40 درجة مئوية في جنوب تركيا، إلى زيادة الضغط بشكل غير مسبوق على التيار الكهربائي، ما تسبب بانقطاعه الاثنين في مدن كبرى بينها أنقرة وإسطنبول.
وربطت وزارة الطاقة انقطاع الكهرباء بعوامل شبيهة بالجفاف الذي أدى إلى انخفاض مستوى المياه في السدود المسؤولة عن توليد الطاقة و”معدل قياسي” في الاستهلاك جراء ارتفاع درجات الحرارة.
وأبدى رئيس بلدية مدينة ميلاس الساحلية قلقه إزاء ما قد يحصل في حال اندلاع حريق، من دون السيطرة عليه، وما قد يرتّبه من تصاعد لسحب الدخان في المنطقة حيث توجد محطة حرارية لتوليد الكهرباء.
ونشر رئيس بلدية ميلاس محمّد توكات سلسلة تغريدات تظهر تمدد الحرائق باتجاه موقع المحطة القائم على تلة. وقال في مقطع فيديو يظهر الحرائق “إنّه موقع مهم جدا”.
وفي تغريدة أخرى نشرها بعد ساعة، كتب “وصلت النيران إلى المجمعات السكنية” موضحاً أن “تجاوز النيران لهذا التل يعني أن الحريق سيأخذ بعداً جديداً كلياً”.
وتوكات عضو في أبرز أحزاب المعارضة في تركيا وواحد من مجموعة متزايدة من الأصوات المنتقدة لطريقة استجابة رجب طيب أردوغان للكارثة.
وعرّضت تداعيات الكارثة أردوغان، الذي يخوض انتخابات خلال عامين قد تؤدي إلى تمديد حكمه لعقد ثالث، إلى موجة انتقادات لاستجابته التي بدت بطيئة ومنفصلة عن الواقع.
وتعرّض كذلك لانتقادات شديدة خصوصا نهاية الأسبوع لرميه أكياس الشاي للسكان أثناء قيامه بجولة في إحدى المناطق الأكثر تضرراً، فيما رافقه عدد كبير من عناصر الشرطة.
ويلجأ العديد من الأتراك إلى مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة الأخبار منذ حملة القمع التي أعقبت محاولة انقلاب فاشلة ضد أردوغان عام 2016 وباتت معها قنوات التلفزيوني وكبرى الصحف تدور في فلك الحكومة.
وأعلن النظام التركي في وقت متأخر الاثنين سيطرته على 145 حريقاً، بينما ما زال يتصدى لتسعة أخرى، في حين أفادت وزارتا الدفاع والداخلية عن إرسالهما تعزيزات من أجل مساعدة رجال الإطفاء. وكانت السلطات تتحدث قبل أيام قليلة عن نحو 100 حريق فقط، مؤكدة أنه تم السيطرة على معظمها ليتضح لاحقاً أن ما أعلن رسميا بعيد عن الواقع وعن مأساة مئات من السكان والمزارعين.
وقالت الشرطة إنها تعتزم استعمال خراطيم رش المياه المستخدمة لتفريق التظاهرات والتجمعات غير المصرّح بها، لكن رئيس بلدية ميلاس قال إن مناشداته السابقة للحصول على مساعدة من طائرات مكافحة الحرائق لم يتم الرد عليها.
ومع اقتراب الحريق من محطة الكهرباء، كتب على تويتر “كان من الواضح أن هذا سيحدث.. سأبكي غاضباً”، فيما استفسر أردوغان، خلال اتصال مع نجيب ميقاتي، “عن موضوع الحرائق التي وقعت في أكثر من منطقة لبنانية، لا سيما في عكار والهرمل، وأعلن عن وضع الإمكانات التركية في مجال مكافحة الحرائق في تصرف لبنان عند الحاجة”. وذلك على الرغم من فشل تركيا نفسها في إطفاء الحرائق المُشتعلة على أراضيها منذ أكثر من أسبوع.