رد فعل أوروبا على “سوء تقدير” بايدن
عناية ناصر
حتى ذاك الأحد، اعتقدت أوروبا أن جو بايدن كان خبيراً في السياسة الخارجية، لكن قرار الرئيس الأمريكي بسقوط أفغانستان في أحضان طالبان أثار قلق المسؤولين الأوروبيين، وعزّز عن غير قصد ما بدأه سلفه دونالد ترامب من تدهور للتحالف الغربي ولكلّ ما من المفترض أن يمثله في العالم.
كان ردّ فعل المسؤولين في جميع أنحاء أوروبا مزيجاً من عدم التصديق والشعور بالخيانة، حتى أولئك الذين هتفوا لانتخاب بايدن واعتقدوا أن بإمكانه تخفيف التوترات الأخيرة في العلاقة عبر الأطلسي اعتبروا الانسحاب من أفغانستان خطأً تاريخياً، فقد قال نوربرت روتجن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني: “أقول هذا بقلب حزين ورعب مما يحدث، الانسحاب المبكر كان سوء تقدير خطير وبعيد المدى من قبل الإدارة الحالية، وهذا يضرّ بالمصداقية السياسية والأخلاقية للغرب”.
بينما تجنّبت أنجيلا ميركل النقد المباشر لـ بايدن، لكنها أوضحت وراء الكواليس أنها تعتبر الانسحاب المتسرّع خطأ، وقالت في اجتماع مع مسؤولين من حزبها، ووفقاً لتقارير إعلامية ألمانية: “بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية والحرية، وخاصة بالنسبة للنساء، هذه أحداث مريرة”.
في المملكة المتحدة، التي دعمت مثل ألمانيا المشاركة الأمريكية في أفغانستان منذ البداية، كان الشعور مشابهاً، وغرد توم توجندهات، رئيس حزب المحافظين في لجنة الشؤون الخارجية في برلمان المملكة المتحدة، على تويتر: “في أفغانستان أكبر كارثة في السياسة الخارجية الأمريكية منذ السويس”.
وفي الوقت الذي كان فيه بعض القادة الأوروبيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يضغطون من أجل أن تنتهج الكتلة سياسة أمنية أقل اعتماداً على أمريكا، يقول روديجر لينتز، الرئيس السابق لمعهد آسبن في برلين: “من الطبيعي أن يكون هذا قد أضرّ بمصداقية الولايات المتحدة، إلى جانب مصداقية أجهزة المخابرات والجيش، يمكن للمرء أن يأمل فقط في إمكانية احتواء الضرر الذي لحق بقيادة السياسة الخارجية الأمريكية بسرعة”.
وفي حين كان الاستياء من مجرى الأحداث في أفغانستان عاماً في جميع أنحاء أوروبا، إلا أنه كان واضحاً بشكل خاص في ألمانيا، فبالنسبة للألمان، لم تكن الحملة الأفغانية تتعلق فقط بمساعدة أحد الحلفاء أو “بناء الدولة”، بل كانت تتعلق بالإثبات للعالم ولنفسها أن ألمانيا قد تغيّرت.
كانت المهمّة في أفغانستان أول انتشار كبير للقوات الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية، وعندما طلب المستشار غيرهارد شرويدر من البرلمان الألماني الموافقة على المهمة في خريف عام 2001 في أعقاب هجمات 11 من أيلول، واجه مقاومة من الديمقراطيين الاشتراكيين لكنه صمّم وضع مستقبله السياسي على المحك من خلال ربط القرار بالتصويت على الثقة- اشتكى شرويدر لاحقاً إلى مساعديه من أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لم يقدّر أبداً المخاطرة التي قام بها، مما قد يساعد في تفسير سبب رفض شرويدر الانضمام إلى الحرب الأمريكية في العراق بعد عام.
على مرّ السنين، شعرت ألمانيا بآثار المهمة في أفغانستان بأكثر من طريقة، فعلى الرغم من أن قواتها كانت تتمركز في الجزء الشمالي الهادئ نسبياً من البلاد، فقد نحو 60 جندياً ألمانياً حياتهم هناك، ولم تمنح وسام البسالة للجيش الألماني. كما استثمرت ألمانيا مليارات لا تُحصى في أفغانستان خلال تلك الفترة واستقبلت آلاف اللاجئين. وعلى الرغم من أن الحكومات الألمانية المتعاقبة ظلت ملتزمة بعملية أفغانستان، إلا أنها كانت دائماً مثيرة للجدل، وقد تسرّب هذا التوتر إلى المجال الثقافي، بما في ذلك فيلم 2014 ” In between Worlds “، الذي يحكي قصة جندي ألماني ومترجمه الأفغاني. يقول الجندي للمترجم الشاب بعد أن نجا من هجوم: “أحياناً أسأل نفسي، هل سنحدث فرقاً أم أنه مجرد مضيعة للوقت؟.. ألمانيا لديها الجواب الآن”.