ثقافةصحيفة البعث

ميساك باغبودريان يرسم طريق الحرير بالغناء الجماعي

ملده شويكاني

لم يُرسم طريق الحرير بالكتب الجغرافية فقط، إذ رسم المايسترو ميساك باغبودريان قوافل الحرير التي حملت ثقافات الشعوب معها في حلّها وترحالها بالغناء الجماعي بمشاركة أعضاء كورال الحجرة التابع للمعهد العالي للموسيقا، بمرافقة البيانو– فادي جبيلي- والعود- أسامة أبو سعدى- والكونترباص– ليلى صالح- والإيقاع- عمران أبو يحيى- في أمسية طريق الحرير بقيادته على مسرح الدراما في دار الأوبرا. وقد اختار أغنيات رافقت طريق الحرير من الشرق إلى الغرب، وبالعودة من الغرب إلى الشرق منذ القديم.

كما استحضرت هذه الأمسية أيضاً روح المايسترو حسام الدين بريمو في ذكرى وفاته الأولى، والمعروف أنه اهتمّ بأغنيات طريق الحرير، ولاسيما الآرامية، فاختار باغبودريان بعض الأغنيات التي قدّمها بريمو، ليتابع رحلة طريق الحرير بعده من خلال أغنيات منوعة تحمل طابع ثقافة شعبها ولغته وما تتصف به من مقامات موسيقية، فاعتمد على تقنيات الغناء الجماعي من حيث تعدّد الأصوات، والمحاورة بين الإناث والذكور، والتناوب بالغناء حيناً، والتكرار مع التأخير وآهات الفوكاليز وتنوع القفلات من خلال مقامات الصوت وتدرجاته، إضافة إلى تقنية السرعة لجمل معينة ضمن دائرة الكورال، تنمّ كلها عن مهارات صوتية مدروسة، وفق الأكابيلا -الغناء دون مرافقة موسيقية- في بعض الأغنيات، ومع المرافقة في أغنيات أخرى تخللتها جمالية المقدّمة الموسيقية والفواصل.

الانطلاق من اليابان

بدأت الأمسية بمرافقة شريط الرحلة على الشاشة، بالأغنية اليابانية “هاهانارو” وتعني “نشيد الأرض بحضن الأرض الأم، نحن البشر نجد السعادة، فيا من تعيشون أحبوها وقدّروها” مع البيانو على وقع مشاهد من طبيعة أراضي اليابان، ومن ثم الامتدادات الصوتية بالقفلة.

أكابيلا وآهات

وإلى الصين بأغنية أكثر رقة تحمل اسم “الياسمين” والبداية مع الإناث، ثم غناء الذكور مع دور الإناث بالخط الثاني بالآهات، تخللتها مقاطع غنائية بطريقة الأكابيلا، وأخرى بمرافقة البيانو.

وتتجه الرحلة إلى إندونيسيا بأغنية “راسا سايانه”، بمقدمة موسيقية على البيانو والغناء الجماعي مع التصاعد اللحني بمشاركة الكونترباص والإيقاع، ثم تمضي الرحلة إلى القازاقية بأغنية -حياة الشباب- تحكي عن الشباب بمرافقة العود والإيقاع والكونترباص، ومشاركة هبة فاهمة بالغناء الإفرادي ومن ثم ترديد الكورال بتأثير الإيقاع الحيوي الراقص للأغنية، لتأتي القفلة الغنائية المفاجئة.

الغناء الصوفي

وباتجاه الغرب إلى إيران والأغنية الصوفية باللغة الفارسية “الدرويش الأحمر” وعلى وقع الضربات الإيقاعية الخفيفة غنّت هبة فاهمة، ومن ثم بمرافقة العود والكونترباص والإيقاع مع الكورال.

المقامات الكردية

وأشار باغبودريان إلى منطقة القوقاز ضمن طريق الحرير، إذ توجد شعوب عدة، منها الكردية، فهيمنت أجواء الفرح على الأغنية الكردية “صيرا دلا” بمقاماتها الحيوية الشعبية وحلقة الدبكة، بمشاركة فادي زرقا بالغناء الإفرادي للأغنية التي تحكي عن المعشوقة مع العود والإيقاع، وتميّزت بفاصل العود بلحن شفاف مغاير.

اللغة الآرامية

وباتجاه الشرق الأوسط وبتأثير متتالية صور معلولا وطرازها المعماري أغنية “نفيكا مبايثيل تيدويا” باللغة الآرامية التي كان يهتمّ بها بريمو لمكانة اللغة الآرامية التاريخية وعلاقتها بحضارة سورية وباللغة العربية الفصحى، وقد قدّمها باغبودريان بأسلوب
” كانون” بتقديم مقتطفات من المقاطع دون ترتيب، ومن ثم غناء الأغنية كاملة، بتكرار مفردة ” شباكو”.

زخارف غنائية

أما الأقرب إلى جمهور الأوبرا فكان المنعطف بميدلي من بلاد الشام، تتألف من ألوان غنائية مختلفة من الموشح والقدود والتراث والشعبي، فمع البيانو غنّت الأصوات باختلافاتها موشح “ياغزالاً قد جفاني، فجفا عيني الوسن” وبتكثيف ألحان البيانو في مواضع، ومن ثم الانتقال المفاجئ والسريع إلى “حالي حالي حال” ثم “عالمايه”، ثم زخارف غنائية سبقت “البلبل ناغى” بحوارية غنائية بين الإناث والذكور ومن ثم بغناء الذكور ومرافقة الإناث بالآهات، ويعود باغبودريان إلى الانتقال السريع للتراث بـ”الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية” والقفلة بتكرار “يا سطة عطية” بجمل غنائية مختلفة بتدرجاتها.

وإلى اللغة الأرمنية والتغني ببلدة جميلة على سفح الجبل بأغنية “أباران” والغناء بتقنية الأكابيلا وبزخارف غنائية بالمقدمة والخاتمة، ومن أرمينيا إلى اليونان بأغنية تتغنّى بنسيم الهواء الشمالي على وقع آثار اليونان وفاصل البيانو ومن ثم تصاعد لحن الأغنية.

كرنفال شعبي

وتصل الرحلة إلى إيطاليا والكرنفال الشعبي الذي يُقام في البندقية بأغنيته الراقصة
” أغنية كرنفال البندقية” على إيقاع المفردة والبيانو، تخللها غناء السلم الموسيقي “دو ري مي فا…” وتكرار مفردة كوتا.

المحطة الثانية في نابولي في إيطاليا والرقصة الشهيرة “نابوليتانا” ذات الطابع الأوبرالي واللحن البراق للمؤلف الإيطالي روسيني، بمشاركة عون معروف بالغناء الإوبرالي الإفرادي والأداء التعبيري.

شيء جميل

واختُتمت الأمسية بتفاعل باغبودريان مع الجمهور وإهدائه سورية أغنية “حلوة يا بلدي” بقوله: “رغم كلّ الصعوبات التي نعيشها، يبقى شيء جميل نغني له”.