لا تراهنوا على التجار
أحد الأسباب الرئيسيّة للارتفاع الجديد لأسعار الفروج والبيض كان ولا يزال الرهان على التّجار لتأمين المادة العلفية لمربي الدواجن. فإذا أضفنا الأسباب الأخرى كالكهرباء والمحروقات، فإننا نستنتج بسهولة أن الفروج اختفى من موائد ملايين الأسر السورية، ولن يعود إليها في الأمد المنظور باستثناء مناسبات نادرة جداً!.
ولا ندري مبررات الرهان على التّجار، على الرغم من التجارب السابقة في مختلف المجالات، فقد كان وسيبقى رهاناً خاسراً ولا استثناءات على الإطلاق في أي عمل تجاري محوره الربح الفاحش. ولكي نكون منصفين فإن التّجار ليسوا السبب الوحيد لرفع أسعار الفروج، فالجهات الحكومية كوزارات الزراعة والكهرباء والنفط لم تُقصّر بإشعال نار أسعار الفروج والبيض، وكأنّ الجميع مصرّ على إخراج هاتين المادتين من موائد ملايين الأسر السورية إلى الأبد، وإلزام آلاف المربين بترك المهنة بفعل اضطرارهم للبيع بخسارة!!.
ولكن الفارق الكبير هنا أنه بإمكان الحكومة إلزام الوزارات المعنية بتقديم الدعم لمستلزمات إنتاج الفروج والبيض بما يتناسب وأجر محدودي الدخل، في حين لا يمكن حتى للتاجر الذي لا يسعى لاستغلال المربين أن يبيع الأعلاف بأقل من تكاليف استيرادها بسعر الصرف الرسمي.
ما يحصل منذ عام تقريباً أن الجهات الحكومية لم تقدم دعماً فعلياً للمربين، في حين يحتكر التّجار الأعلاف ويبيعونها للمربين بسعر الدولار الأسود!، أما وزارة التجارة الداخلية فاقتصر عملها على رفع أسعار الفروج والبيض بما يتناسب مع التكلفة الفعلية وتحديداً وفق سعر المحروقات وسعر صرف الدولار الرسمي.
ووفق هذه المعطيات الواقعية فإنه ما من أسرة سورية تعمل بأجر قادرة على شراء فروج حيّ أو مشوي أكثر من مرة في الشهر حتى وفق نشرة أسعار وزارة التجارة.. فهل هذا معقول؟.
نعم.. من المتوقع أن ترتفع أسعار الفروج والبيض أكثر فأكثر مع كل رفع لسعر الصرف والمحروقات مادام الدعم الفعلي محدوداً جداً، وخاصة مع الإصرار على الرهان على التّجار لتأمين الأعلاف للمربين!.
تصوّروا أن المادة العلفية التي تشكل 75% من تكلفة تربية الفروج البياض هي في قبضة حفنة من التّجار، وما توزعه وزارة الزراعة على المربين من أعلاف لا يساهم بأي خفض للتكلفة لأنه محسوب أساساً وفق سعر الصرف الرسمي!.
نعم المشكلة أن الجهات الحكومية والتّجار متورطون بإشعال أسعار الفروج والبيض وآخر همّهم المستهلك، إلى حدّ لم يتصوّر فيه أي سوري أن تتحول الشاورما والفروج المشوي والبروستد إلى وجبة فاخرة مقتصرة على قلة من المقتدرين وأصحاب الدخول الكبيرة جداً.
الحلّ الجذري يكون باعتماد خطة دعم متكاملة ودائمة تجعل أسعار الفروج تناسب دخل ملايين السوريين، وأبرز مكوّنات هذه الخطة زراعة الأعلاف وتحديداً الذرة الصفراء، بما يكفي احتياجات صناعتي الدواجن والزيوت، وحصر توزيع الأعلاف على المربين بوزارة الزراعة، أي التوقف نهائياً عن الرهان على التّجار بتأمين الأعلاف.
علي عبود