ثقافةصحيفة البعث

فيلم “كودا” بين الترجمة للصم وحلم الغناء

في قائمة الأفلام العالمية لعام 2021 اتخذت الإعاقة طابع الصفة الواقعية للسلوكيات الحياتية للصم اهتماماً بهم، وقد تميّز فيلم كودا – سيناريو وإخراج سيان هيدر، إنتاج أمريكي عام 2021 -بتصوير حياة عائلة صماء الأم والأب والابن، وقد أدى أدوارهم ممثلون يعانون فعلاً من إعاقة الصم باستثناء الابنة بطلة الفيلم روبي- الممثلة الشابة إيميليا جونز- التي أجروا لها إثر ولادتها اختبار السمع وتبيّن بأنها تسمع، وهذا ما أقلق والدتها التي عبّرت عن ذلك بأحد مشاهد المصارحة بينها وبين ابنتها “أحسستُ بانقباض قلبي، خفتُ أن لا أستطيع التواصل معك كما حدث مع أمي”.

تدور الأحداث على متن سفينة والد روبي الذي يعمل بصيد الأسماك وبمساعدة زوجته وابنه بالتسويق، وتنتقل الكاميرا إلى المنزل البسيط والحانة والمدرسة، ورغم جمالية الطبيعة إلا أن المخرج لم يفرد مساحات للقطات الطبيعة الصامتة ولم يوظّف حركة الكاميرا لتصوير جمالياتها باستثناء مشهد واحد في نهاية الفيلم أثناء وداع روبي لصديقها عازف الغيتار، واعتمد المخرج على أداء الممثلين وتواصلهم بلغة الإشارة بعيداً عن الوسائل الحديثة المتقدمة للتخفيف من درجة الإعاقة، وعرض حلولاً بشكل غير مباشر من خلال حياة الابن الذي يضطر في نهاية الفيلم إلى الاعتماد على تعلم قراءة الشفاه.

المحور الأساسي في الفيلم هو الدور الذي تقوم به روبي بترجمة كل شيء لعائلتها كونها الشخص الوحيد الذي يتكلم ويسمع. تبدأ معاناة روبي حينما اكتشف أستاذ الموسيقا صوتها الجميل وشغفها بالغناء، فقرر أن يدربها ويقنعها بخوض اختبار المنحة الدراسية لكلية الموسيقا في بوسطن، في الوقت الذي تعاني فيه عائلتها من اضطهاد بعض الأشخاص فيقررون بيع الأسماك دون وسيط ويحتاجون إلى روبي كي تترجم لهم ما يقوله الآخرون، لاسيما أثناء المقابلة التلفزيونية التي تزامن موعدها مع موعد تدريب الأستاذ، وتصطدم روبي برفض أهلها تحقيق حلمها بالغناء كونهم يعتمدون عليها في كل شيء، ابتداء من أمها التي تقول لها في أحد المشاهد “لو كنت عمياء ستفكرين بالرسم” لتقريب فكرة رفض غنائها.

الغناء والإشارات

المنعطف بالفيلم كان حفل الخريف السنوي الذي تقوم به المدرسة الثانوية وتغني روبي مع الكورال مقاطع إفرادية وجماعية، بحضور عائلتها، والأمر المؤثر بأنهم لا يسمعون صوت روبي ولا يفهمون الكلمات لعدم الترجمة بالإشارة كما اعتادوا فتنظر الأم إلى الجمهور وهو يصفق فتصفق معهم، وبعد الحفل يحدث تحوّل بحياتهم بقرارهم دعم روبي والاعتماد على أنفسهم، فتقدم روبي الاختبار وتكاد تفشل في البداية لأنها تعيش صراعاً بين عائلتها وحلمها، لكنها تقوى برؤية والدها ووالدتها وأخيها يحضرون الاختبار فتغني وتترجم لهم مفردات الأغنية، ثم تنجح بالاختبار وتستعد للالتحاق بكلية الموسيقا بولاية بوسطن بعد حصولها على المنحة الدراسية، ليأتي مشهد الوداع حينما توقف روبي السيارة وتعود لعناق عائلتها.. وربما أراد المخرج التأثير على المشاهد والإيحاء بأنها تعود عن قرارها، لكن دعم عائلتها المعنوي يعيدها إلى السيارة.

خلال الفيلم يتطرق المخرج إلى معاناة الصم بالجلوس مع الأشخاص الذين يسمعون ويتكلمون وهم لا يفهمون شيئاً ما يعرضهم للضغط النفسي، ويطرح بعض الحلول بشكل غير مباشر بالتواصل بالكتابة مع الآخرين والارتباط مع الطرف الآخر السليم مثل علاقة الحب التي عاشها شقيق روبي مع صديقته.

يجسد الفيلم حالة إنسانية يعيشها الصم بدمجهم بالمجتمع وما يواجهونه من صعوبات، وقد زاد من تأثير الفيلم مشاركة ممثلين من الصم فبدا الأداء حقيقياً ومقنعاً، والأهم أنهم حققوا نجاحاً في عالم السينما وخاصة الممثلة مارلي ماتلين الصماء التي جسدت دور الأم وحصلت على الأوسكار بجائزة أفضل ممثلة عن دورها بفيلم تشيلدرين عام 1987، كما شارك الممثل الأصم دانييل ديورانت بدور الابن، وكذلك الأب تروي كوتسور.

ملده شويكاني