أسوأ أشكال عمل الأطفال.. هل تسد الدراسة الميدانية النقص في البيانات؟
أعدت الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان دراسة ميدانية حول أسوأ أشكال عمل الأطفال بهدف سد النقص في البيانات حول هذه الظاهرة، لاسيما أن الأبحاث والمسوح الإحصائية المنفذة سابقاً انحصرت بتحديد حجم عمل الأطفال، وأغفلت أسباب الظاهرة وخصائصها وتأثيرها.
وبيّن الدكتور محمد أكرم القش رئيس الهيئة أن الهدف من الدراسة هو توصيف ظاهرة عمل الأطفال، وتحليل أهم أسبابها وعواملها، واستكشاف انعكاساتها على الطفل والمجتمع، وذلك استناداً إلى مقاربة تحليلية- تشاركية، تشمل جميع الأطراف المعنية بعمل الأطفال، بخاصة الأطفال العاملين أنفسهم، حيث اتبعت الدراسة منهجية المسح المناطقي وفق منهجية دراسة الحالة لأماكن تواجد عمالة الأطفال، حيث تم التوصل إلى: البيئة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والسكنية العامة لأماكن تواجد الأطفال، المحددات الاجتماعية والاقتصادية والخدمية لمظاهر وعوامل ظاهرة العمالة وأسوأ أشكالها، والتعرف إلى الأوضاع المعيشية الحالية والمستلزمات المطلوبة.
وكشف رئيس الهيئة عن أن العمل البحثي كانت له عدة أهداف من أهمها: هدف “سبري”، وهذا يتطلب إعداد فريق بحث وطني لسبر الواقع المعيشي للأسرة السورية بمفرداته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية، فعمل الطفل يصب أساساً في “خانة” دعم دخل الأسرة وتلبية احتياجاتها المعيشية، الأمر الذي يتطلب خلق البدائل إذا أردنا إقناع هذه الأسر بالعدول عن إرسال أبنائها إلى العمل.
أما الهدف الاجتماعي فهو توعوي، إذ تعد القيم والعادات والتقاليد والأعراف ذات الصلة بأهمية مساعدة الأبناء للأهل في تلبية احتياجات الأسرة من بين العوامل المؤثرة في نزول الطفل إلى ميدان العمل، وهذا يقتضي عملاً توعوياً منظّماً يستهدف تعريف الأسرة بسلبية عمل الأطفال وآثاره الخطيرة على صحتهم الجسدية والنفسية، وعلى نموهم المعرفي والاجتماعي والأخلاقي.
والهدف الاقتصادي هو مادي، حيث بيّنت المعطيات أن الفقر وعوز الأسرة يقع في أساس العوامل الدافعة لعمل الأطفال، لذا، لابد من التعرف على الوضع المعيشي والاحتياجات المادية الأساسية للأسر، خاصة في المناطق ذات الأولوية بالاستهداف، ليتبع ذلك وضع خطة اقتصادية- مالية واقعية تتعامل مع هذا الوضع، وتقدم البدائل المتاحة واقعياً لتحسين الوضع المعيشي بهدف الحد من إرسال الأسر لأبنائها الصغار إلى العمل بدلاً من المدرسة.
كذلك هناك هدف التعليم ومتابعته، حيث يشكّل التعليم ومتابعته إحدى أهم الدعائم التي يمكن الاستناد إليها في التحصن ضد انتشار ظاهرة عمل الأطفال، وأشارت النتائج إلى تدني قيمة التعليم في مجتمع العينة المدروسة، هذا الأمر يقتضي بذل جهود رسمية وغير رسمية لتعديل التصورات الخاطئة المتصلة بمكانة التعليم وأهميته في تطور شخصية الطفل، وانعكاسات ذلك إيجابياً على نموه الجسدي والنفسي والمعرفي والاجتماعي والأخلاقي.
أيضاً يوجد هدف تشريعي، حيث إن جهل الكثير ممن شملتهم الدراسة بالسن التي يسمح عندها القانون للطفل بالنزول إلى ميدان العمل، وبالشروط المحددة لعمل الأطفال، يكشف عن غياب المؤسسات والجهات الرسمية وغير الرسمية عن القيام بهذا الدور الهام المتصل بتعريف الطفل والأسرة بمثل هذه المسائل.
وحول حماية الأطفال في سورية، بيّنت رنا خليفاوي مديرة القضايا الأسرية في الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان أن مشكلة البحث في ظاهرة عمل الأطفال أصبحت تهدد مستقبل الطفولة، وتمس كيان المجتمع، فخروج الطفل من البيت أو المدرسة إلى سوق العمل بسن مبكرة يدل على وجود خلل مجتمعي أدى إلى التخلي عن أعرافه، ودفع بالطفل إلى دخول بيئة جديدة لا يقوى على التكيّف معها، حيث إن تكليف الطفل بعمل معين، وهو في سن مبكرة، يحرمه من فرص التعليم التي تقوم بدور رئيس في تكوين شخصيته، وتنمية قدراته وملكاته الذهنية، ويعرّضه لمخاطر وسلبيات العمل التي تترك أثرها على صحته الجسمية والنفسية، وينشأ الطفل كإنسان غير سوي، ويواجه في مستقبله صعوبات كثيرة في العيش والتأقلم مع محيطه، إضافة إلى انعدام ثقافته وخبرته الاجتماعية، وأكدت خليفاوي أن خروج الطفل من بيئته الأسرية إلى عالم العمل المعقَّد يؤدي حتماً إلى حرمانه من الرعاية الأسرية، وسيضعه تحت وطأة وضغط العمل، ونتيجة لهذا الحرمان، ستتولّد لديه عقد مختلفة، وستنمو في داخله أحقاد دفينة تجاه المجتمع، وقد تتفجر هذه الأحقاد في المستقبل على شكل سلوك عدواني يؤدي إلى نتائج خطيرة لا يمكن علاجها (كالقيام بالسرقة والقتل.. إلخ)، حيث إن معايير السلوك السوي للأطفال تختلف عنها عند الراشدين، ويرجع ذلك إلى اختلاف طبيعة وشكل العمليات العقلية والنفسية ومضامينها لدى الأطفال، مقارنة بتلك العمليات لدى الراشدين، وبشكل عام، فإن عدم تلبية الحاجات العاطفية للأطفال يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات سلوكية، ويمكن أن تتطور هذه الاضطرابات السلوكية البسيطة إلى أعراض مرضية أشد خطورة إن لم تعالج تربوياً في وقت مبكر.
محسن عبود