ثقافةصحيفة البعث

همنغواي على قمة كلمنجارو

نُشرت قصة “ثلوج كلمنجارو” لأول مرة في مجلة “إسكواير” في آب عام 1936، وتكرّر ظهورها كثيراً في المجموعات القصصية المختارة لمؤلفها إرنست همنغواي. وتفتتح ببطلها هاري، وهو كاتب فاشل رحل إلى أفريقيا برفقة زوجته هيلين، ليبدأ حياة جديدة كفنان، لكن مسعاه بالتجديد فشل فشلاً ذريعاً بسبب إهماله وتقاعسه عن معالجة جرح صغير عرضي، وهذا يوازي من الناحية الرمزية الطريقة التي دمّر بها موهبته بادئ ذي بدء. وبينما تنهش الغرغرينا لحمه، يعمل هاري على تقييم حياته، ويتذكر ماضيه وإهماله لحرفته، ويتحسّر على القصص التي لن يتسنى له كتابتها أبداً.

يتشاجر مع هيلين، زوجته الثرية التي تحاول جاهدة أن تواسيه وتعتني به. وعلى الرغم من أنه يلوم ثراءها على توفير الرفاهية والراحة اللتين دفعتاه إلى التساهل وإهمال كتاباته، إلا أنه يعلم في قرارة نفسه أنه المسؤول الوحيد عن فشله حقيقة، وما زوجته إلا كبش فداء مناسب لفشله، فطريقة قصِّه لقصتها تُبيّن أن لا لوم يقع عليها، بل إنها حقيقة جديرة بالثناء كونها نجت من مأساة ألمّت بها وبنت حياة جديدة. ومن جانب آخر، فقد دمّر هاري موهبته من خلال انغماسه في إشباع نزواته وكسله وخموله.

في عام 1952، صُنع فيلم عن القصة من بطولة غريجوري بيك وسوزان هايوارد، واعتمد نص الفيلم سرد أحداث من حياة الشخصيات أكثر مما سردت قصة همنغواي، وغيّر النهاية بحيث لا يموت هاري، بيد أن همنغواي زعم أن الفيلم لا يوازي سوى ثلث القصة التي كتبها.

تحمل قصة “ثلوج كلمنجارو” تلميحات كثيرة عن سيرة المؤلف الذاتية، إذ شعر همنغواي عند كتابة القصة بالقلق من تباطؤ إنتاجيته الكتابية، كما كان يعاني أيضاً من مشاعر متناقضة حول علاقاته مع لاعبين رياضيين أثرياء وجمهرة من أعضاء المجتمع البارزين التي اكتسبها من خلال ثراء زوجته بولين وشهرته. مثلاً، دفع عم زوجته تكاليف رحلة صيد في أفريقيا في وقت قريب من وقت كتابة القصة، ورفض همنغواي عرض امرأة ثرية لتمويل رحلة أخرى. وقال إن القصة نتجت عن شروعه بـ”التفكير في ما سيحدث لشخصية مثلي أعرف عيوبها، لو أني قبلت هذا العرض”.

ذكريات هاري عبارة عن شذرات أو مقتطفات صغيرة أو صور مبعثرة، وهي بمنزلة المادة الخام لكتابة القصص، ولكنها غير منظمة ولا شكل لها، إذ يتذكر فيها النساء الأخريات اللواتي مررن في حياته والطريقة التي تشاجر بها معهن أيضاً. ويلوح جبل كليمنجارو في الأفق كرمز للصعود الذي لا يحاول هاري المضي به. ويربط هاري على نحو متزايد بين الموت والمخلوقات التي تتغذى على الجيف، كالنسور والضباع التي تحيط بالمخيم. ويصوّر الموت بصورة ضبع تفوح من أنفاسه رائحة كريهة يشتمها هاري، فيضغط أنفه على السرير بثقله الكامل. وراوده حلم عن موته، حيث وصلت طائرة الإنقاذ وحلّق فيها فوق قمة جبل كليمنجارو الثلجية. وتنتهي القصة بأصوات الضبع الغريبة التي توقظ هيلين مذعورة لترى هاري جثة هامدة.

إعداد: علاء العطار