هل من جهة تقوم بالتفتيش على التفتيش؟
من المفترض أن تولي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش اهتماماً كبيراً لأية شكوى أو معلومة تردها عن حالة خلل أو قصور أو فساد، وتبدي تقديرها العالي لموصل هذه المعلومة، أكان هو المتضرّر من الخلل أو المستفيد من إصلاحه، وإنصاف الشاكي المتقدّم بالشكوى أو المعلومة حال كان ذلك يخصّه شخصياً وصادقاً، ومكافأته معنوياً ومادياً، بما يتفق وحجم النفع العام المتحقّق حال صدقية الشكوى.
من المستوجب أن تكتشف الهيئة الكثير من حالات القصور والخلل والفساد من خلال جولات كوادرها الدورية أو العرضيّة على الجهات التي لها صلاحيات الإشراف عليها، والحال نفسها بالنسبة للجهاز المركزي للرقابة المالية، والغريب في الأمر أن لدى الكثير من الإدارات دوائر رقابة داخلية فرعية، وتشرف على عملها إدارات عامة مركزية ومديريات رقابة داخلية مركزية، ومن حقّها وواجبها معالجة ما يظهر عندها من خلل وفساد، ولكنها تتعمّد إحالة القضايا إلى التفتيش!.
واقع الحال يظهر أن أغلب الشكاوى جديرة بالنظر فيها، ولكن بعضها غير مؤيّد بالأدلة الكافية، ما يعيق إكمال التحقيق أو صدور النتيجة بما يتناسب وهدف الشاكي، ولا يخلو من أن يكون بعضها كيدياً بقصد الإساءة للجهة المشكو عليها، وتعمُّد تضليل الهيئة وإشغالها بما يصرف نظرها عن الأحق المهمّ والأهم، ما أسفر عن وجود عدد كبير من الملفات التفتيشية المحالة لكل مفتش، وبحجم كبير من الوثائق لكثير منها، ما يجعل المفتش أمام حجم عمل مطلوب منه أكثر من طاقته، ما يتسبّب في تشتّت اهتمامه الشخصي بين قضية وأخرى، عدا عن تأثره بما يتلقى من توجيهات وإغراءات للتريث في حسم قضية قد تكون مهمّة جداً، وحيثيات إصدار القرار التفتيشي بها واضحة وجليّة، وسيترتب على صدوره الكثير من الإيجابيات، وانصرافه لإيلاء الأهمية لقضية فيها الكثير من الأخذ والردّ، يؤدي لإطالة التحقيق وتغيّر بعض المعطيات التي يترتب على أثرها تغيّر نتائجه، بما لا يتفق والمتطلبات المحقّة، ما جعل الكثير من القضايا التفتيشية قيد الطيّ أو قيد التخزين لأجل، وربما كانت قضايا تفتيش التعاونيات السكنية خير مثال على ذلك.
وما يزيد الطين بلة، أن المتفتش –عملاً بقوانين التفتيش– لا يتيح لأطراف القضية الاطلاع على تفصيلات مجريات التحقيق فيها، وله وحده حرية توجيه الأسئلة وطلب المستندات وقبول ورفض بعضها، وبالتالي لا يمكن للطرف المغبون أن يدافع عن نفسه، ورغم أن المفتش محلف إلا أن ذلك لا يبرئه من ارتكاب ممارسة غير قانونية تضرّ بالطرف المحق لمصلحة خصمه، أكان ذلك خطأ منه أم عمداً، خلافاً للقضاء الذي يعالج القضية وجاهة بين أطرافها، ولكل طرف الحق في الاطلاع على كافة وثائق ودفوع الأطراف الأخرى، بل لأي منهم الحق في توكيل محامٍ عنه حال كان وقته لا يسمح له بحضور جلسات المحاكمة أو بسبب ضعف إلمامه القانوني، والأكثر غرابة أن التفتيش لا يعطي أياً من أطراف الشكوى صورة عن حيثيات القرار الصادر بشأنها، بل يعلمه بموجز قصير عنها وربما تمّ الاكتفاء بذلك شفهياً لا خطياً، خلافاً للقضاء الذي يعطي كل طرف صورة عن حيثيات إصدار القرار، ويمنحه حق الاستئناف أو النقض حال كان القرار الصادر غير مبرم، كما أن توجيهات بعض المحافظين تقضي بعدم إعطاء صورة عن نتيجة التحقيق بالشكاوى المقدّمة لهم.
رغم الخلل الإداري والفساد المشكو منه وازدحام دوائر التفتيش بملفات آلاف القضايا، وعلاج المئات منها، إلا أنه نادراً ما يسمع المواطن بنتائج تحقيق في قضية فساد مالي أو إداري، ما جعل حديث الشارع يقول لا تفتيش ولا من يحاسب، رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها بعض المسؤولين خلال السنوات الماضية، بخصوص الإعلان القريب عن نتائج التحقيق بحالات فساد كبرى، وحال كان الجواب أن للقضاء دوراً لاحقاً في ذلك، يبقى من حق المواطنين الإحاطة علماً بآخر المطاف، أوليس من المفترض ألا تكون حيثيات قرار التفتيش غير معلّلة بما يدعمها، وهل حدث أن جرّم القضاء مفتشاً أعطى قراراً منقوضاً قضائياً؟.
هناك الكثير من الأمثلة عن إحساس المواطن بقصور عمل الجهتين الرقابيتين في بعض الوزارات والمؤسّسات، ورداً على حديث الذين يقولون لا يوجد تفتيش ولا من يحاسب، أين الجهتان الرقابيتان من أن تعقد كلّ منهما لقاء جماهيرياً علنياً ولمرة واحدة على الأقل في العام ضمن كل محافظة، تعرض كلّ منهما عدداً من ملفات الفساد التي حققت بها، ليتبيّن للمواطن الحضور الفعلي الميداني للجهتين، هذا الحضور المؤكد وجوده ميدانياً بنسبة ما، ولكن يندرُ وجوده إعلامياً.
والسؤال المشروع طالما أن على القضاء تفتيشاً تقوم به إدارة التفتيش القضائي، هل من إدارة تفتيش على التفتيش؟.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية