مفهوم الانتماء بين التأريخ والثقافة والقضاء
حلب – غالية خوجة
أسئلة كثيرة وعميقة أثارتها الأمسية الثقافية “الانتماء بين العصبية والثقافة” التي أقامها اتحاد الكتّاب العرب – فرع حلب، بالتعاون مع مديرية الثقافة والتشارك مع جمعية العاديات، وقدّمها الكاتب صلاح كزارة، وتحدث فيها شفاهياً الكاتب الباحث محمد قجة، في مقر العاديات بالجميلية، محللاً الانتماء كنص تأريخي ثقافي عقلي واقعي، لافتاً إلى مفهومه كمنهجية علمية أكثر منه مجرد عواطف.
ولفت قجة إلى 3 كتب تناولت هذا المحور، أولها مقدمة ابن خلدون “العصبية والدولة”، وثانيها “خلاصة التأريخ” لأرنولد توينبي، وثالثها “الثقة” لفوكوياما، موضحاً أن الانتماء بمفهوم ما يبدأ صغيراً من خلال الأسرة ثم يتّسع مع المجتمع والقبيلة والعشيرة والأرض، مثلاً الأصفهاني اكتسب انتماءه من المدينة التي أقام فيها، بينما يعني الانتماء بمفهوم آخر الثقة بين المواطن والوطن.
ويؤكد قجة على أن مفهوم الانتماء هو العدالة، والعدالة انتماء للدولة، وهذا يعني أن جميع المواطنين في دولة ما ينتمون لهذه الدولة ودستورها ولغتها المقرة في الدستور، مهما كان دينهم، لغاتهم، لهجاتهم، أعراقهم، وسواها، مضيفاً: وحالما يفقد الناس ثقتهم بالقضاء تبدأ الفوضى، لأن القضاء هو عقل الشعب، والشعوب المقهورة تسوء أخلاقها، وتبدأ الفتن وهذا ما خلفته الحروب الصليبية عندما اختبأت الفتن وراء الدين وأصبحت تجارة رائجة في عصر تخلّف المجتمعات.
وأشار المحاضر إلى ويلات الحرب وتأثيرها في الانتماء وتدميره وتدمير تراث المكان والإنسان، خصوصاً، في هذه المرحلة التي يراد لثقافتها وجغرافيتها وانتمائها وبنيتها أن تُزال ليزرع مكانها الزرع الفاسد في وعي الإنسان العربي، والإنسان في كل مكان عموماً، من خلال الأجيال القادمة، بوسائل مختلفة، منها التلاعب بالآيات المقدسة، والمناهج التعليمية التي تعدّل لتناسب الأعداء، فتمحو من الخارطة فلسطين مثلاً، وتساءل: هل يعقل أن تأتي الأجيال القادمة ولا تعرف شيئاً عن تأريخها وأرضها ومقدساتها وحضارتها؟!.
كما أشار الباحث قجة إلى دور الكتّاب العرب كخط دفاع دائم، ولفت إلى بعضهم الذي تماوج مع موجة الإساءة إلى أعلامنا العربية والإسلامية العلمية والأدبية والإبداعية، وكيف ظهرت موضة ذمّ وشتم صلاح الدين الأيوبي وابن رشد والمتنبي وابن سينا مثلاً، وهذا هو السمّ في الدسم من أجل أهداف بعيدة، وبالمقابل، لماذا لا يفعلون ذلك مع أعلامهم، بل يمجدونهم؟!.
ورأى قجة الواقع بعين الحقيقة: الواقع العربي السيئ يقود إلى ذلك، ليس فقط الاقتصادي والسياسي، بل الثقافي والمعرفي والعلمي، فالواقع العربي الذي نعرفه الآن ليس كما كان قبل 50 سنة مثلاً. ثم..، تساءل: هل الثقافة في مجتمع ما تكفي لأن تكون غطاء سياسياً وفكرياً؟ مثلاً، المجتمع الأمريكي يتألف من أكثر من 50 جنسية و50 لغة، لكن، في النهاية، تعتبر أمريكا دولة، ولها لغتها الأمّ.
واختتم قجة: أمّا الفسيفساء في الجمهورية العربية السورية، فتعرف أن اللغة العربية هي اللغة الأمّ، واللغة الوطنية للدولة، ولغة التعليم، وهذا الانتماء المعبّر عن الهوية لم يسلم من الهجمات بكافة الوسائل وتزييف الوقائع حتى على “النت” ووسائل ووسائط التواصل الاجتماعي.