ثقافةصحيفة البعث

صورة مشرقة عن الإرادة الإنسانية عند د. ريم هلال

اللاذقية- مروان حويجة

تحيلنا حالتها الإبداعية النوعية إلى عالم اللامستحيل أمام الإرادة الإنسانية القادرة على تحقيق اللا ممكن رغم التحديات الخارجة عن الإرادة، وعند الدكتورة ريم هلال لم تكن الإرادة عابرة للتحديات بل صانعة للإبداع، رغم الإعاقة التي وُلدت معها منذ أن أبصرت نور الحياة ببصيرتها لا ببصرها، فرأت العالم بأعمق وأوسع وأبعد ما تراه العين راسمة دروباً للتميّز العلمي الأكاديمي والإبداع الأدبي والحسّ الإنساني الألمعي الذي يستلهم ويستشرف عوالم تتلقفها بصيرتها الإبداعية.

“البعث” التقت الأديبة ريم هلال والبداية كانت عن التجلًيات الأولى في حياتها فقالت: حين اكتشفَ والدايَ وأنا في الشهور الأولى من عمري، وضعيَ الخاصَّ المتمثِّل في فقداني جزءاً كبيراً من بصري، حدثَت في بيتنا زلزلةٌ كادت تُخلخلُ أساسه، وظلَّت ذكراها ترافقهما عبرَ ما توالى عليهما من أيّام، ظنّاً منهما كما شأن الكثيرين، أنَّ العالم يسيرُ على قوّة البصر، وظنّاً أنَّ من خلال هذا البصر بمفرده يُدرَكُ الليل والنهار، وإلى جانب وقع هذا الأمر على والديَّ كان له وقعه القاتم على طفولتي الثانية، بعدما تجاوزتُ سنواتِ سعادتيَ الأولى؛ إذ كان ينبغي حينذاك أن نسعى أنا وأسرتي في تكييف خصوصيَّتي التي افترقتُ بها عن أقراني، وأن نجهد بهذا الشأن وفقاً لِما تقتضي خطوات الحياة، بغيةَ تواكبي معهم على الأقل في واحدٍ من أشيائهم.

وتؤكد د. هلال على تدفق نور البصيرة لديها منذ البدايات وتبلّور جدلية البصيرة والرؤيا الإبداعية لديها، وتابعت بالقول: ما إنْ قطعتُ شوطاً كافياً من نزالي مع أمواج العمر العاتية، هذه التي توجَّهت إليَّ دون واحدٍ من الذين يبدؤون معي الطريق؛ حتى وجدتُ أنه توقَّدَت لديَّ دونهم شعلةٌ في روحي، لم تدرك مع الشمس إلى الغروب سبيلاً، وأغنَتني بأضوائها التي لا تزال تتوهج عليّ، عن شمعتَي عينيَّ المطفَأتَين، إنها البصيرة كما يسمّيها لي الكثيرون، منحتني النهار الذي ما كنتُ وأسرتي نتوقّع حلوله علينا يوماً. إنها بصيرتي التي بتُّ أرى من خلالها ما لم ترَه كلُّ عينين، وانفتحتُ من خلالها على ما اتّسعَ من آفاق الحياة، والبشر، والكون، وما اغتنَت به من لا نهايات التفصيلات والجزئيات، لأخلصَ في كلِّ جولةٍ من تأمُّلاتي في هذا كلّه، إلى قدرة الله اللامحدودة على الخلق والإبداع والابتكار عبرَ ما لا يُحَدُّ من الأزمنة والأمكنة.

وأثمرت إبداعات د. هلال مؤلفات وكتابات ونتاجات أدبية إبداعية شاملة لكل أشكال وأجناس الأدب حيث تقول: وعلى سبيل الترجمة لتأمُّلاتي الروحيّة؛ صغتُ سطوري، مؤلَّفاً تلو مؤلَّفٍ، فيما تنوَّع من الأجناس الأدبيّة، من شعر، وخواطر نثريّة، وسيرة ذاتيّة، وقصصٍ، ورسائل لا أنفكُّ أبعث بها إلى الآخرين، ردوداً على رسائلهم أو مبادراتٍ منّي لظروف تقتضي الكتابة إليهم. وهكذا إلى أن استكملتُ حاليّاً كتابي التاسع عشر، إلى جانب ما لديَّ بعدُ من مخطوطات تتطلّب المراجعة والتدقيق والإعداد، ومن هنا أخذ قرّائي يتهافتون على أعمالي تباعاً؛ يتلهفّون إليها، ينهمكون بها، يسهرون لأجل الوصول إلى ما بعدها وما بعدها، يَسعَدون من خلال كلماتي بما يطلقون عليها كشوفاتي المذهلة، ومن خلال تعبيراتي بما كانوا يبتغون هم الوصول إلى ما يماثلها فيما لو امتلكوا الموهبة.

وتجد د. هلال في رحلتها غنىً وثراءً وتجدداً: والآن.. وبعد رحلتيَ الطويلة مع شعلة بصيرتيَ؛ ها أنا أراني أمكثُ حارسةً لها، محيطةً إيّاها بذراعيَّ حمايةً لها مما لا يتوقعه أحد، إنه حرصي على حمايتها من رياح الشفاء التي قد تصيبني يوماً، حقّاً إنني أخشى الشفاء، أخشى توصُّل الطبّ يوماً إلى ما سيعدّه مَن هم حولي أمراً رائعاً وفق منظورهم؛ إذ من يدري! فربَّما إذا ما أضيئَت عيناي هل من أحدٍ يضمنُ ألا تنطفئ شعلة بصيرتي تلقائيّاً مثلما توقَّدَت ذاتَ يومٍ تلقائيّاً؟ إنها شعلتي التي أبتغي أن تبقى معي، أن ترافقني إلى يوميَ الأخير، أن تعود معي إلى الله فيراها بحوزتي، بعدما أرسلَني من دونها إلى امتحان الأرض المعتمة.

وعن مسيرة حياتها ورحلتها في رحاب العلوم والآداب والبحث العلمي والأدبي فإن الدكتورة ريم هلال من مواليد اللاذقيّة عام 1960، تعمل أستاذة جامعيّة في كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة– قسم اللغة العربيّة، اختصاص نقد عربيّ حديث، وأديبة لها بضعة عشر مؤلَّفاً فيما تعدَّد من الأجناس الأدبيّة، في الشعر إذ من أعمالها “العرّافة، كلُّ آفاقي لأغنياتك، اسمي والأرض، بين شرفتي والبحر، قناديل، من عكاظ أتيتُ، ومضات”، ومن أعمالها النثريّة “من مفكّرتي، حلمتُ، سطور، ماذا” وفي القصّة لها “أحكي لكم” إضافةً، إلى مؤلَّفها “البصر والبصيرة” الذي يمثّل سيرتها الذاتيّة التي رَوَتها مع فقدها البصر، إضافةً إلى أعمال جمعت فيها ما بين الشعر والنثر مثل “لعلّها تصل” ومؤلَّفها الأخير الذي كتبته في أبيها الراحل “كتاب أبي”، وفي النقد لها مؤلَّفها “حركة النقد العربيّ الحديث حول الشعر الجاهلي” الذي يمثّل رسالتها لنيل درجة الدكتوراه عام 1998، وصدر –فيما بعد- عن اتّحاد الكتّاب العرب.