قصص أغاني حرب تشرين
كانت الألحان والكلمات سلاحاً آخر في معركة تحرير الأرض والثأر والكرامة، وقد وثقت العديد من الأغنيات هذه الحرب وأحداثها التي شهدت قصة كفاح عربية من أجل استرداد الأراضي العربية المحتلة، وقد جاءت من وحي الانتصارات وما زلنا نردّدها حتى اليوم، وكانت لكل أغنية قصتها التي نهلت كلماتها من معين المعركة الدائرة حينها.
خطة قدمكم
كثيرون لا يعلمون أن صوت فيروز كان حاضراً بقوة خلال حرب 1973 وتحديداً على الجبهة السورية التي شنّت قواتها جنباً إلى جنب مع القوات المصرية حربها الخالدة في السادس من تشرين الأول، وكانت بما امتلكته من صوت حاضرة مع كل ضربة مدفع أو رصاصة، ومع كل تقدم أو نصر يحرزونه من خلال أغنية “خطة قدمكم عالأرض هدارة” التي طرحت بالتوازي مع لحظة انطلاق الدفعة الأولى من الصواريخ السورية باتجاه الكيان الصهيوني في الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من تشرين الأول عام 1973 وأصبحت هذه الأغنية وما زالت تمثّل كل انتصار حقيقي للجيش على الجبهة في أي معركة يخوضها، وهي من ألحان وكلمات الأخوين رحباني.
سورية يا حبيبتي
في لقاء تلفزيوني لمحمد سلمان تحدث عن أغنية “سورية يا حبيبتي” التي ألّفها ولحّنها وشاركه بالغناء أيضاً نجاح سلام ومحمد جمال وفي زمن قياسي، وبيَّن أنه وأثناء اندلاع حرب تشرين 1973 لم يتمالك نفسه وقرر السفر من بيروت لدمشق ليكون قريباً من الحدث، وكان دائماً أينما حلّ يحمل بيده قلماً وأوراقاً لتدوين أي فكرة تلوح بخياله، وقبل سفره لدمشق يومها تذكَّر أن عليه أن يعيد تجديد هويته الشخصية، فلاحت له فكرة الأغنية ووجد نفسه يكتب ومن خلال دلالة الهوية “سورية يا حبيبتي.. أعدتِ لي كرامتي.. أعدتِ لي حريتي.. أعدتِ لي هويتي”، في أحد المطاعم كان يدور حديث بين شخصين من الخليج العربي وهما يتابعان أحداث الحرب على الجبهتين المصرية والسورية، فبادر أحدهما موجهاً حديثه للآخر “الآن بدأ الإنسان منا يفتخر أنه عربي”، وبجانبهما تصادف وجود محمد سلمان فاستلهم فكرة متممة للأغنية وأسرع يكتبها في مدونته “الآن اني عربي.. يحق لي اسم ابي ومن أبي!.. رصاص بندقية يصنع الحرية للأمة الأبية” وبالطريقة نفسها أتمّ الأغنية، وبقي المقطع الأخير الذي استوحاه من سؤال ابنته سمر أثناء احتدام المعارك “بابا.. بالنسبة لفلسطين شو؟”، وهنا لمعت الفكرة واعتبر أن الأغنية أنجزت بإيحاء من ابنته وبيده راح يكتب خاتمة الأغنية “لم ينته المشوار يا عروبة.. حتى تعود أرضنا السليبة.. ففي الخيام طفلة المصيبة.. تنادي يا سوريتي الحبيبة.. أعيدي لي كرامتي.. أعيدي لي حريتي.. أعيدي لي هويتي”، وحينها توجّه محمد سلمان إلى أستوديو الإذاعة وسجلها بصوته وصوت نجاح سلام ومحمد جمال، وقام التلفزيون السوري بتصويرها.
بسم الله.. الله أكبر
بعد لحظات من سماع بيان القوات المسلحة في مصر بالعبور كانت باكورة الأغنيات الوطنية أغنية “بسم الله.. الله أكبر”، حيث استلهم بليغ حمدي هذه الأغنية من الناس في الشارع المصري الذى انفجر بالتكبير والتهليل بعد لحظات من بيان العبور “الله أكبر.. الله أكبر”، وهي قصة تداولها المقربون منه، حيث استيقظ بليغ حمدي على أصوات وزغاريد الناس وهم يهتفون “الله أكبر الله أكبر انتصرنا”، وعرف من الإذاعة بنجاح القوات المسلحة في عبور وتحطيم خط بارليف، وبمجرد أن سمع البيان الصادر انطلق مسرعاً وفي يده العود وبعض الأوراق إلى مبنى الإذاعة واتصل تليفونياً بالشاعر عبد الرحيم منصور ليلحق به، وفى الطريق كان بليغ يسمع هتافات الناس في الشارع وهم يرددون “الله أكبر الله أكبر بسم الله الله أكبر”، الأمر الذي جعله يلتقط هذه الكلمات التي جعلها مقدمة للأغنية.
على الربابة
تمّ تسجيلها كما تذكر المصادر الساعة الخامسة فجر 7 تشرين الأول بعد أن كتب كلماتها الشاعر عبد الرحيم منصور ولحّنها بليغ حمدي وغنّتها وردة الجزائرية، وقد حرصا على المشاركة في المعارك ولو بأغنية، فقررا تحمّل جميع أجور الموسيقيين والكورال المشاركين في الأغنية، مع قائد الفرقة الماسية أحمد فؤاد حسن الذي تبرع مع جميع الموسيقيين والكورال بأجرهم أيضاً لمصلحة المعركة.
رايات النصر
مع بدء معارك حرب تشرين اتصل المخرج الراحل يوسف شاهين بالإذاعي وجدي الحكيم يخبره بأن هناك أغنية من كلمات الشاعرة نبيلة قنديل بعنوان “رايات النصر” كان شاهين ينوي تصويرها في أحد أفلامه لكنه قرّر إهداءها للإذاعة مع اندلاع الحرب، وقد قام بتلحينها الموسيقار علي إسماعيل وقُدّمت بصوت المجموعة.
عاش اللي قال
لم يغب الفنان عبد الحليم حافظ عن الغناء لحرب تشرين المجيدة، وكان نصيبه أغنية “عاش اللي قال” التي كتبها الشاعر محمد حمزة بعد أن قرأ مقالاً للكاتب محمد حسنين هيكل بجريدة “الأهرام” وتأثر به، وقام بتلحينها الموسيقار بليغ حمدي، وبعد النصر عاد الفنان عبد الحليم حافظ للاتصال بالشاعر عبد الرحمن الأبنودي وطلب منه أغنية عن هذا النصر العظيم، فكتب الأبنودي أغنية ”صباح الخير يا سينا” ولحّنها الموسيقار كمال الطويل، وسجّلها حافظ رغم مرضه الشديد في ذلك الوقت، والذي شارك أيضاً في الاحتفال بانتصارات حرب تشرين بأغنية “لفي البلاد يا صبية” التي كتبها محسن الخياط ولحّنها محمد الموجي وأُنتجت عام 1973.
أم البطل
من بين كل من غنوا لحرب تشرين وأبطالها تبقى المطربة شريفة فاضل حالة فريدة، إذ أنها فقدت ابنها الذي سقط شهيداً في تلك الحرب، وهو ما دفعها بعد 3 أشهر لأن تطلب من الشاعرة نبيلة قنديل أن تكتب أغنية عن أم بطل لأنها كانت ترغب في أن تصل الأغنية لكل أمهات الشهداء الذين شاركوا في هذه الحرب، فدخلت الشاعرة غرفة الشهيد ابن شريفة فاضل لعدة دقائق ثم خرجت وفي يدها ورقة بكلمات الأغنية التي قام بتلحينها الملحّن علي اسماعيل، ويقال إن شريفة فاضل عندما قامت بتسجيلها انهارت أكثر من مرة وكانت المطربة فايزة أحمد من ساعدتها على التماسك لكي تسجل هذه الأغنية التي مسَّت قلوب المستمعين، ويُذكر أن فاضل أصيبت بنزيف في الشرايين أثناء غناء الأغنية في إحدى الحفلات وتوقفت فترة عن الغناء، ثم عادت من جديد، وبقيت أغنيتها رمزاً لعطاء ومشاعر وصدق أمهات جنودنا الأبطال.
عبرنا الهزيمة
“عبرنا الهزيمة” من الأغنيات التي أذيعت خلال أيام الحرب، وهي من تأليف الشاعر عبد الرحيم منصور الذي استلهم عنوان الأغنية من عنوان مقال للأديب توفيق الحكيم ولحَّنها الموسيقار بليغ حمدي وغنّتها الفنانة شادية، ففي اليوم الثاني لنصر حرب تشرين المجيدة تصدّرت صفحة “الأهرام” الأولى افتتاحية الأديب توفيق الحكيم بعنوان “عبرنا الهزيمة”، ويتوقف بليغ حمدي أمام السطور الأولى لافتتاحية الحكيم التي يقول فيها “لقد عبرنا الهزيمة بعبورنا ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم هي الوثبة”، ويتفاعل بليغ حمدي معها ليحولها إلى أغنية بصوت الفنانة شادية، وقد استمع توفيق الحكيم إليها وكان سعيداً باللحن والكلمات وأداء الفنانة شادية.
وهكذا ظلّت تلك الأغاني عالقة في أذهان ووجدان المستمع العربي، كونها تخلّد ذكرى الانتصار العظيم الذي قلب موازين القوى في الشرق الأوسط وأعاد الكرامة للشعب العربي.
أمينة عباس