مجلة البعث الأسبوعية

باعتباره قطاع متداخل مع أغلب الوزارات.. أهمية إحداث وزارة متخصصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة

“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي

في عصر بات الاقتصاد ورقة رابحة أكثر من ذي قبل، ومركز القوة لأية دولة تسعى لأن يكون لها كيان يُعتدُّ به على الساحة الدولية، يتحتم علينا ليس مواكبة كل مفرزاته وما تنتجه من رؤى واستراتيجيات فحسب، بل أن يكون لنا رؤانا واستراتيجياتنا الخاصة بنا بحيث تتناسب مع حيثيات اقتصادنا ومكوناته، بالتزامن مع الاستفادة من تجارب الغير وليس تطبيقها كما هي، لأن التجارب لا تستنسخ وإنما يستفاد منها، كلٌ حسب واقعه؛ ولعل المشروعات المتوسطة والصغيرة التي تعتبر أحد أهم مكونات الاقتصاد السوري تحتاج إلى رؤية جديدة لتفعيل ما هو موجود منها وتخصيب البيئة الاقتصادية الحالية ورفدها بمشروعات أخرى غير موجودة في الأصل، حيث يتم ضبط عمل المشروعات الحالية والمستقبلية بمنظومة اقتصادية ذات أهداف تكتيكية واستراتيجية، لكونها – أي المشروعات – بمنزلة خطوط إنتاج صغيرة تؤدي إلى متوالية إنتاجية كبيرة يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في تنمية صادراتنا، وخاصة إذا ما علمنا أن 90% من صادرات بعض الدول من نتاج المشروعات المتوسطة والصغيرة، بل إن بعض رؤساء العالم مطالب أمام البرلمان بتقديم تقرير عن أشكال الدعم التي قدمها لتلك المشروعات على اعتبار أنها توفر فرص عمل لا طاقة للدولة عليها.

 

دور تنظيمي

ولعل إحداث وزارة خاصة بالمشروعات المتوسطة والصغيرة من شأنه أن يعطي دفعاً كبيراً لما هو قائم منها حالياً، وأفكاراً لمشروعات جديدة، وذلك من خلال اضطلاع هذه الوزارة بدور التنظيم والتمويل، أي تستقبل الأفكار من المستثمرين الراغبين في الدخول إلى هذا المضمار وتؤمن لهم التمويل اللازم، أو أن تطرح هي الأفكار لكل من يرغب بالتمويل، وبذلك تقدم حلاً لمشكلة اقتصادية واجتماعية في آن معاً تتمثل بتكوين بنى إنتاجية حقيقية ترتكز على استثمار الميزات النسبية الموجودة في سورية وتسخيرها في مثل هذه المشروعات من جهة، وتؤمن فرص عمل من جهة ثانية.

ومن المبررات التي تستدعي إحداث وزارة خاصة بالمشروعات الصغيرة تداخل قطاع هذا النوع من المشروعات مع أغلب عمل الوزارات، لا بل كل الوزارات الاقتصادية “الصناعة والزراعة والمالية.. إلخ، إضافة إلى بعض الوزارات ذات الشأن الخدمي كوزارة الإدارة المحلية والبيئة.

 

طبيعة البيئة

ويجمع العديد من أهل الكار الاقتصادي على أن أي فكرة جديدة – سواء أكانت اقتصادية أم غير اقتصادية – تنبع من طبيعة البيئة المولدة لها، ففي دولة ما على سبيل المثال قد يكون هناك حاجة ملحة لإنشاء وزارة للمهجرين، نظراً لارتفاع نسبتهم فيها، أي إن ظروف البلد تقتضي ذلك؛ وبناءً عليه، فإن خصوصية اقتصاد سورية، والحاجة الهائلة والتعطش الكبير للاستثمارات، تستوجب صب الاهتمام على موضوع الاستثمارات هذا، لكن الاقتصاد السوري ذو شرايين ضيقة وليست واسعة وكبيرة لتستوعب المشاريع الضخمة والهائلة، لذلك فإن المشروعات المتوسطة والصغيرة قادرة على الدخول في ثنايا قطاعاته الاقتصادية والنهوض بها، ما يعني أن الحاجة تستدعي أن يكون لدينا وزارة خاصة بالمشروعات المتوسطة والصغيرة، مع التركيز على أن يأتي إحداثها ضمن إصلاح مؤسساتي وزاري شامل تفادياً لأي ترهل إداري، وألا تكون مجرد كيان حكومي شكلي يزيد من الأعباء المالية والإدارية غير المجدية.

 

ترحيب

لدى عرضنا هذا الموضوع على بعض الجهات الحكومية التي رحبت بفكرة إحداث للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ركزت هذه الجهات على جانبين أساسيين في موضوع الاستثمارات، هما العرض والطلب، مشيرة إلى أنه لابد أن يكون عرض الوزارة المتخصصة لهذا النوع من المشروعات شفافاً ومقنعاً، إضافة إلى توصيف حقيقي لبيئة الاستثمار الموجودة في سورية وفي جميع القطاعات، إلى جانب دراسات الجدوى الاقتصادية المرافقة لها وأفق المشاريع الجديدة، فنجاحها يتوقف بالدرجة الأولى على دراسة العرض دراسة حقيقية ومتأنية، حتى تستطيع بنهاية المطاف إقناع جوانب الطلب على هذه المشاريع (الراغبين بالاستثمار في هذه المشاريع – المموّلين لها – المساهمين بإيجادها)، فتلاقي العرض مع الطلب هو سبيل نجاح هذه الوزارة، وخاصة أن ثمة فجوة كبيرة بين العرض والطلب، فغالباً ما يكون هناك عرض كبير للمشاريع مقابل طلب ضعيف، موضحة أن الوزارة يمكن أن تكون بمنزلة بنك للمعلومات يتوفر فيه أفكار لمشروعات جديدة تطرح هي بعضها، وتستقبل البعض الآخر، ومن ثم تقوم بتأمين التمويل اللازم لها، أي أن تكون صلة وصل بين المستثمر والمموّل.

كما أنه لابد أن تضع الوزارة خريطة استثمارية توضح الفرص الذهبية والفضية والبرونزية التي يمكن استثمارها حتى تستطيع النهوض بشكل فعلي بالاقتصاد الوطني من خلال المشروعات المتوسطة والصغيرة، وهذا من شأنه أن يجذب المدّخرات ويعيد توجيهها في قنوات استثمارية حقيقية تعود بالنفع على الجميع.

 

متحفظ ومتحمس

رغم تحفظ البعض على فكرة إحداث الوزارة لأنها ستكون مجرد كيان حكومي جديد سيقوم بدور منوط بكيانات أخرى، كما أن المشروعات المتوسطة والصغيرة هي مبادرات ذاتية لا تحتاج إلى من يحفزها بهذا الشكل، نجد أن البعض الآخر متحمس لضرورة إحداثها، بهدف تنظيم اقتصاد الظل القائم بكليته على مثل هذا النوع من المشروعات.

وحسب الدكتور علي الحسن فإن إحداث وزارة للمشروعات المتوسطة والصغيرة سيسلط الضوء على المشروعات العاملة في الظلام ويعيدها إلى المسار الاقتصادي السليم وبذلك تستعيد الدولة العوائد الضائعة عليها من هذا القطاع، وفي الوقت نفسه تراقب وتشرف على آلية سير عمله ما يضمن بالنتيجة طرح موادّ وسلع مطابقة للمواصفات.

وقال الحسن: إن وجود وزارة للمشروعات المتوسطة والصغيرة من شأنه أن يخفف الترهل الحاصل في مصارفنا العامة والخاصة التي تحوي آلاف المليارات القابعة في خزائنها، فالوزارة يمكن أن تكون القناة النافذة لهذه الأموال لاستثمارها في المشروعات المتوسطة والصغيرة، حيث تكون الضامن لمن يرغب بالاستثمار، أي تقوم بدور الوسيط بين المستثمر الصغير والمصارف.

وأضاف الحسن إن هناك عدداً كبيراً من المشروعات المتوسطة والكبيرة مشتتة ومتشعبة بين وزاراتنا التي تكتفي بالإشراف على المشاريع الكبيرة فقط وخاصة الحكومية منها، ما يحتم ضرورة وجود وزارة معنية بهذا الأمر وتقدم الدعم لها من خلال علاقاتها وارتباطاتها مع نظيراتها من الوزارات الأخرى.

 

استثمار في العقل

وبيّن الحسن أن التوجه الحالي في مجال المشروعات المتوسطة والصغيرة يعتمد على الاستثمار في العقل البشري وما يبدعه من أفكار جديدة غير تقليدية، عمادها الأساسي التفكير الناتج عن شريحة الشباب الصغار مثل مكاتب إنتاج المعلوماتية والبرامج الالكترونية كما هو حاصل في الهند التي تُحصّل من تصديرها من هذه المنتجات للولايات المتحدة الأمريكية عوائد تضاهي عوائد دولة نفطية، وبالتالي وجود جهة معنية بدعم المشروعات المتوسطة والصغيرة من شأنه أن يستنهض القوى العقلية لدى شبابنا ويشجعها على الإبداع في جميع المجالات.

 

قفزات نوعية

بالتوازي مع تأكيدات العديد من الاقتصاديين – إن لم نقل كلهم – أن هذا النوع من المشروعات هو عماد الاقتصاد الوطني كونه يشكل حلاً اقتصادياً واجتماعياً، نحن لا ندعي ابتكار هذا الطرح لأنه موجود في دول أخرى مثل ألمانيا وروسيا الجزائر ومصر والإمارات وغيرها من الدول التي حققت قفزات نوعية في هذا المجال، لكننا نسلط الضوء عليه ونُذكّر، عسى أن تنفع الذكرى، ولاسيما أن مساهمته بالناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 60%، وبلغت نسبة منتجاته من الصادرات غير النفطية 98%، فضلاً عن تشغيله 75% من العمالة.