الاحتفاء بالكتاب
سلوى عباس
“كتابنا غدنا” شعار معرض الكتاب السوري الذي انطلقت فعالياته أمس في مكتبة الأسد بدمشق، بطابع سوري بحت حيث اقتصرت المشاركات على دور النشر السورية والمؤسسات الثقافية المعنية بالنشر كاتحاد الكتاب العرب والهيئة العامة السورية للكتاب.
شعار المعرض يتناغم مع الحضور اللافت لكتاب الطفل الذي هو أيضاً يمثل غدنا ومستقبلنا، إذ يشارك في المعرض عدد لابأس به من دور النشر التي تهتم بصناعة الكتاب الطفلي التي تشهد تجارب حديثة على مستوى الطباعة والألوان مضافاً إليها أدوات ووسائل تعريفية تغني معرفة الأطفال وتساهم في جذبهم لعالم القراءة واقتناء الكتب، ولا نغفل هنا عن أهمية الصورة ودورها في مضمون الكتاب التي يطلع عليها الطفل وهي تتأكد كلما كان الطفل أصغر سناً، فالصورة تمثل عنصراً تشويقياً هاماً كما تضفي ألوانها سحراً وجاذبية على المادة وتؤدي دوراً حيوياً في تكامل الصورة الذهنية لدى الطفل وتمثل إبداعاً مكافئاً للنص بل قد تتفوق عليه أحياناً، إضافة إلى ضرورة أن يكون كتاب الطفل أشبه بلوحة فنية متكاملة تجذب الطفل لاقتنائها وإغفال هذا الجانب في صناعة كتاب الطفل يضعف حيوية الكتاب بل قد يتسبب في فشله في الوصول للطفل وإقناعه بما يحتويه من مضمون شيق ومفيد.
وإذا توقفنا مع المعرض وما يرافقه من فعاليات ثقافية وسينمائية نرى أنه لايقتصر على الاحتفاء بالكتاب فقط وإنما يمثل طقساً ثقافياً وفكرياً ولقاء غنياً للمفكرين والمثقفين المشاركين والزائرين بهدف تبادل المعرفة والخبرات في صناعة الكتاب والنشر، ومحاولة تعميق الصلة بين القارئ والكتاب وتحديداً الكتاب السوري الذي أثبت حضوره في المعارض العربية والدولية، بغض النظر عن أن هناك من يرى أن فكرة المعارض لا تنطلق من خدمة الكتاب بل من خدمة دور النشر التي ترفع شعارات تعميم القراءة والتنوير وتلاقح الحضارات، بينما هدفها الحقيقي تحقيق أكبر نسبة من الأرباح ليكون القارئ هو الضحية حين لا يقوى على إغراء شراء كتبه المفضلة رغم غلاء أسعارها، أو هو يكتفي بالتجول بين أروقة المعرض ومتعة الاطلاع على الكتب، معزياً نفسه بحضور بعض الأنشطة التي ترافق المعرض، والتعرف إلى شخصيات بعض الكتّاب من ضيوف المعرض.
لكن من وجهة نظري ومن خلال متابعتي للعديد من معارض الكتب التقيت بعدد هائل من الناس كانوا يتصفحون الكتب ويقرؤون أيضاً في كثير من الأحيان. وقد تسنى لي مراقبة الأطفال في مكتبة للأطفال فاكتشفت أن عدداً كبيراً من الأطفال يقلِّبون الصفحات وهم يقرؤون القصة بحجة أنهم يريدون معرفة موضوعها، مما يؤكد أنه لا يمكن تصور نهضة حقيقية للكتاب بدون نهضة ثقافية عامة، أساسها تعليم قوي، ينتج قارئاً يستطيع متابعة الإنتاج الجديد، ثقافياً واقتصادياً، فالكتاب أسمى وأعلى من الاستهانة به. إضافة إلى أن الثقافة ليست مفهوماً هلامياً، بل لها علاقة بعصر محدد ويجب أن تستجيب لمتطلبات هذا العصر.
بالمحصلة في ظل ظروف جائحة “كورونا” يشكل معرض الكتاب السوري حالة من الاحتفاء بالكتاب الذي يمثل نافذة للإطلاع على ما أبدعته العقول والثقافات لتجديد العلاقة والصداقة مع الكتاب وإعادة الاعتبار له كخير جليس والتغلب على ظروف الجائحة، وتخفيف الشعور بالوحدة، وتحفيز قدراتنا الذهنية والإبداعية.