ثقافة

“أنا وأنتِ وأمي وأبي”.. عنكبوت عاطفية في بحر الأزمة

عنوان ملفت لفيلم جديد من المخرج عبد اللطيف عبد الحميد، وهو قصص في قصة.. مفارقات الحب وحالاته حسب الظرف والزمان والمكان!. والحب حالة وجودية ومطاف ثري التوقع إذ أنه يحتمل كل أسباب الفعل الإنساني، من تحدٍ أو تضحية أو عدوان، إنه المحرك الأول بأبجدية المشاعر والعاطفة بصنوفها، فكم يتحول الصديق إلى عدو شرس وقاتل بحجج ملتوية بسبب حب التملك والغيرة العشواء.

هذه المفارقات قدّمها ببساطته المعهودة المخرج عبر فيلم ركز على شخصيات تعيش حالات إما انهزامية أو انفعالية في الطقس العام للأزمة, فهاهي الزوجة تعيش الغربة في بيتها مع زوجها الذي يتبنى النهج السياسي الطارئ فجأة على مجتمعنا، إذ أنه يتذرع الأسباب التي تفرض صنوف المشاكل سواء في البيت أو في العمل وهو أستاذ الجامعة اللامع، ليفرض تياره الفكري الذي يبدو للمحيطين به غامضا وملتويا عن الواقع, بدءاً من زوجته وأبيه, إلى ابنه المجند الذي يؤدي الخدمة على الحواجز، ويقع إثر ذلك في شغاف الحب مع الفتاة الساكنة بحيز الحاجز، ويالها من مصادفة جميلة، لكنها تكون سببا بأن يموت بسبب هذه القصة بيد قابيل بائع الفلافل المتربص بالحي والعاشق المتيم لابنة الحي التي لا تدري بولعه هذا، سيدس له السم, ولكن ينجو منه بأعجوبة, ثم يموت في النهاية “هابيل” ومعه فتاة قلبه العاشقة بسبب إصرار المجرم، فالشر لايتلون إنه أسود دائما
الأحداث تفرز الغربة الاجتماعية والنفسية التي تفرضها التيارات السياسية الواردة، وهي المحرك والباعث لمنغصات إنسانية ليس لها تبرير حقيقي.
وعلى الجانب الآخر نجد أن “الجدان” اللذان يشكلان مايسمى طائفتين اجتماعيتين يتشاركان الحياة بانسجام تام، مما يدل أن الواقع المتشرذم هو ابن الأزمة وليس من واقع النسيج  الاجتماعي والعقائدي الذي تربت عليه الأجيال.. فالأستاذ يتكلم عن الحرية ويمارس التعنيف على محيطه ليفرض فكره الغامض منهجا وهوية، وبائع الفلافل يفرض المساواة والحب من خلال القتل لقناعته أن الحب يجب أن يكون له أولا وأن العشيقة المغدورة تستحق ذلك لكونها تحيد عنه. لقد علم الشاب العاشق بحقيقة السم وسامح المجرم البائع، لكن الشر بقي دفين نفسه فعاوده ليقتله في آخر الفيلم متمثلاً “بقابيل” الذي رفض الصلح والمحبة!.
الإسقاطات لا محدودة على قصص يومية هي من خضم الحياة وجوهرها الإنساني المليء بالأسرار، والفيلم واقعي بالتصوير رمزي بالإسقاط، حاد الزوايا حينا ومنفرجة أحيانا، هي سمة الحياة. وهو وثيقة مرحلية لواقع الأزمة وإرهاصاتها التي بلا أجوبة لأن الحدث أكبر من التساؤل في ظل زوبعة المحنة.
جسّد شخصيات الفيلم الفنانون: سوزان نجم الدين, سامر عمران, حسام تحسين بيك, مرام علي, يامن الحجلي, بشار إسماعيل، سيناريو وإخراج عبد اللطيف عبد الحميد.
رجائي صرصر
rajaaisarsar@gamail.com