بعد تأهيل طالبان .. ما هو الحدث الأكبر؟
د.رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
بعد احتلال أفغانستان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حوالي عشرين عاماً وما رافق هذا الاحتلال من خراب أفغانستان ودمارها وقتل أبنائها وتدمير اقتصادها وبنيتها التحتية، بعد هذا العناء والظلم الذي تحمّله الشعب الأفغاني، قامت أمريكا بالانسحاب الفوري وغير المدروس من هذه الدولة الفقيرة بين عشية وضحاها، تاركة وراءها عملاءها ومعداتها العسكرية البرية والجوية التي أصبحت ملكاً لحركة طالبان الإرهابية، والذي يقرأ الحدث الأفغاني يرى أن هناك عملية (استلام وتسليم) بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان الأفغانية.
إن أحداث كابول هي نتيجة خطأ استراتيجي أمريكي- غربي أو بتواطؤ وتخطيط شيطاني، فله ارتدادات سريعة ومتوسطة وبعيدة المدى، فحركة طالبان بشعارها المعروف هي بوابة لما يحصل وسيحصل في العقدين القادمين، والموضوع أكثر من ظهور نسخة جديدة مما يسمى الإسلام السياسي، بل تغيير للسياسات ومنظومة الحكم، وتخليق النخب في المنطقة نحو كل العالم بموجات متعاقبة.
السلاسة التي تم فيها الدخول إلى كابول من قبل طالبان مع تأكيد هذه الأخيرة أنها ستحكم بالشرعية وليس بالقيم الديمقراطية من غير أن تكشف حسابها السياسي، وجردت تحالفاتها مع “القاعدة” و”داعش” بالتأكيد ستعقبها تغيير النظرة تجاه التنظيمين الإرهابيين، وقد تظهر الإجابة الآن على السؤال الذهبي: أين اختفى “أيمن الظواهري” طوال هذين العقدين، ومن احتفظ به كلقية ثمينة، فهو موجود في أحضان طالبان أو الاستخبارات الباكستانية وبتوصية أمريكية، وقد تفاجأ بسرعة ما سيحصل على هذا الصعيد، والعراق وسورية لن يكونا أبداً بعيدين عن مرمى ذلك؟.
إن أول معلم مهم لانتصار طالبان هو نهاية ما يسمى “الإسلام المذهبي” وطي صفحة الصراع الطائفية وإفلاس من تاجر بها، لكن هذا مكلف جداً، فالهزيمة الأمريكية أو الانسحاب من أفغانستان سيخلق فراغاً في المنطقة والعالم، ولهذا فإعادة تأهيل “القاعدة” و”داعش” سيكون سريعاً وهو يتم على قدم وساق.
وهكذا فإن ما جرى ويجري في أفغانستان أثبت العكس تماماً، وأن الثوابت الأمريكية هي أن لا ثوابت إطلاقاً، وأن السياسة الأمريكية أن لا سياسة محدودة، وأن القيم والمبادئ الأمريكية هي أن لا قيم ولا مبادئ، وأن حليف أمريكا هو اللاحليف، وأن كل شيء قابل للتغيير والتضحية به مقابل ضمان المصالح الأمريكية فقط.
ويرى بعض المحللين السياسيين أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ليس إلا ترجمة لنجاح الإستراتيجية الأمريكية القائمة على أساس تثبيت مصالحها من خلال زرع الأرض بالفوضى وإثارة الفتن والتقاتل من دون تكبد الخسائر المكلفة، ومما يعزز فكرة نجاح إستراتيجية تثبيت المصالح الأمريكية هو التاريخ نفسه حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدخل أو تجتاح بلداً إلا وتركته ممزقاً مهزوماً تتنازعه الحروب الطائفية والعرقية، محروماً من أبسط مقومات الإنسانية والعيش الكريم، وبلا دولة قوية منهوب الثروات المجيرة لمصلحة مافيات تأتمر بأوامر الغرف الأمريكية السوداء.
قد يبدو للبعض أن طالبان اليوم تختلف عن طالبان الملا عمر خصوصاً بعد بيان طالبان التي تعهدت فيه بعدم زعزعة الأمن مع دول الجوار وحفظ الحريات الدينية وضمان عدم استقبال أو تدفق الإرهابيين من وإلى دول الجوار، إضافة إلى ضمان سير الخط التجاري بين دول آسيا الوسطى وروسيا والصين بمباركة جميع الأطياف والعشائر الأفغانية، فأمريكا تجيد لغة اللعب على التناقضات العشائرية والطائفية، وتحترف تجيير الخراب لمصلحتها، ومن أجل بسط نفوذها عن بعد ولكن بواسطة الأدوات المحلية، تماماً كما حصل في العراق وسورية ولبنان، ومما لاشك فيه أن الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان جاء لتخفيف أهداف أمريكية البعض منها معلن ليبقى بعضها السري غير المعلن هو الأهم.