ثقافةصحيفة البعث

“أنماط السّرد”.. دراسة نقدية عن الرواية الأفريقية

فيصل خرتش

يقدّم ” أبو طالب محمّد عبد المطلب ” في كتابه” أنماط السّرد في الرواية الأفريقية ” دراسة نقدية عن الرواية الأفريقية، التي تميّزت بخصوصيتها، وهي خصوصية الثقافة المحلية الأفريقية، وعزا ذلك إلى العلاقة القوية بين الرواية كمنجز سردي حديث في التراث الأفريقي، وكلّ أجناسه من أسطورة إلى شعر إلى معارف تقليدية، وقد تمردت على التقاليد الأوروبية السائدة ، وأكدت أصالتها .

يثبت ذلك: الثقافة الأفريقية وتاريخ تراثها السّردي الزاخر من قصص وأخبار وممالك وأساطير وحكايات، وهذا الإرث الحكائي الضخم يعتبر بمثابة أصول وجذور في أعمال روائية تحمل ملامح وقضايا أفريقية ما بعد الاستقلال، إنتاج أدب روائي له وجه الشبه بمشكلات تتعلق بالمجتمع الأفريقي، لذا جاءت الرواية الأفريقية الحديثة تحمل في خطابها النهضوي أوجه شبه متعدّدة لأفريقيا وإنسانها، وارتباطها بالتراث التقليدي، ويبين سماتها وخصائصها وقضاياها، وتعدّد لغاتها التي كتبت بها.

وعلى أي حال كانت علاقة الأدب الأفريقي علاقة انتشار وانقسام بين الثقافات، ونمو وعي سياسي وفكري، وفي أفريقيا بدأ صوت الانكسار يخفت رويداً، وصوت التمرد يرتفع أكثر، والرجوع إلى الجذور كان هو الخطوة الضرورية لتأكيد نبرة التمرّد والاستقلال عن التثقيف الأوروبي، وهو الرجوع إلى التراث بلا انفصام الذي أعاد تشكيل هذا التراث حتى أصبح قوّة فعّالة مستمرة في الحاضر والمستقبل، حاملاً آمال أفريقيا وباحثاً عن ذاتها وصانعاً لمصيرها، وإعادتها في الأدب هو إكمال عنصر التزاوج الخلاق بين فكرة المعاصرة الواعية بجذورها ومكانتها في التاريخ الحديث.

ويعتبر هذا الرجوع إلى الجذور الثقافية للإبداع الأدبي والتمرد على النموذج الأوروبي، هو جوهر الحركات الأدبية الفكرية المتمثل في “الزنوجة والبانا أفريكا نزم ” .

يعالج الكاتب أنماط السّرد في رواية ” الحوالة ” لـ ” سامبين عثمان ” الذي ولد عام 1923 بقرية ” زينوشوار ” الواقعة على ضفة نهر ” كازماس ” من أسرة لها علاقة بصيد السمك، فعرف منذ سن مبكرة بتخزين ذاكرته للأساطير والحكايات الشعبية من جدته، وبموت الأب يتولى خاله أمر تربيته، وهو مسلم متشدّد، ومدرس لمادّة التربية الإسلامية ، وقد علمه وعرفه بالحقائق الروحانية الإسلامية، كما عمق فيه الوعي والغيرة على الثقافة التقليدية الإفريقية، لينتقل بعدها إلى ” داكار” حيث يعمل في مهنة مساعد ميكانيكي، ولم يتجاوز عمره الخمس عشرة سنة، وعندما بلغ سن العشرين تمّ استدعاؤه إلى الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي وهناك يتحول إلى رجل حقيقي .

يعود ” سامبين ” إلى ” داكار” ويشارك في إضراب كبير لعمال السكك الحديدية، وقد قضت السلطات الفرنسية على الإضراب الذي منح ” سامبين ” مادة خصبة لإحدى رواياته، وبعدها يغادر إلى ” مرسيليا ” عام 1948 ، حيث يعمل حمالاً، وينخرط مع مجاميع من الأفارقة الذين دفعت بهم أسباب البطالة ببلداتهم إلى فرنسا، ولاحقاً يغدو قائداً لاتحاد نقابات الأفارقة بـ “مرسيليا”، وفي حقبة الخمسينيات ظهرت باكورة رواياته عام 1956 بعنوان ” حمال الميناء الأسود”، وفي العام التالي نشر رواية ” يا وطني يا شعبي الجميل” ، وفي عام 1960 نشر الرواية الثالثة بعنوان ” نتف خشب الله” ، في عام 1964 نشر رواية ” رياح الهارماتان الغبارية الجافة ” ، ثم تلاها بروايتين هما: ” كيوازان أو التكوين الأبيض” و ” الحوالة المالية ” ، وفي العام 1973 نشر رواية ” زالا ” ثم تلاها عام 1981 م رواية ” آخر عهد الامبراطورية ” .

في هذه الأعمال، كما في قصصه القصيرة والأفلام السينمائية، تطالعنا الرواية السياسية بمعانيها الدالة في خطابها، وتعلّق بموضوعاتها بالماضي الاستعماري، أو الحاضر المستمر المضطرب ، والملاحظ أن رواياته حاولت اطلاع الأفارقة على شيء من الظروف القاسية التي يعيشون فيها. وأيضاً تحتل القصة القصيرة عنده موقعاً مهماً في أعماله الأدبية، ويعد من أبرز العلامات والقامات في الأدب الأفريقي المكتوب بالفرنسية.

إن التوفيق الذي يلازم أعماله في هذا المضمار يعود إلى بساطة السّرد، والمشهد البالغ التركيز، والذي قلّ أن يتوفر عند قاص آخر ، ممّا أدى أن ينقل الكاتب عدداً من قصصه القصيرة إلى الشاشة السينمائية، وفي السينما أيضاً قدّم ” سامبين عثمان” عدداً من الأفلام السينمائية بقصد أن يعرف الإنسان الأفريقي على أدبه وقضاياه ومشاكله من خلال شاشة العرض، هذا ممّا جعله يعيد كتابة نتاجه الأدبي في شكل أفلام سينمائية قادرة على توصيل الرسالة، وقد تطرق من خلالها إلى قضايا الإنسان الأفريقي من زاوية أوسع، منها الهوية المستلبة والفقر والجوع ، والهروب إلى وجه أفريقيا المشرق .

المؤلف في سطور :

أبو طالب محمّد عبد المطلب: من مواليد الجزيرة بالسودان عام 1984، تخرج في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، قسم الدراما ، وهو ناقد وباحث، قدّم العديد من الدراسات النقدية، نال جائزة النقد التطبيقي في مهرجان البقعة المسرحية في عام 2008 .

  • أنماط السّرد في الرواية الأفريقية
  • أبو طالب محمّد عبد المطلب
  • الشركة السودانية للهاتف السيار ” زين “
  • عدد الصفحات :172 صفحة ؛ القطع : وسط