هل تشعر بالضيق أيام العطلة؟ .. قد تكون “مدمناً على العمل”!!
يتميز إدمان العمل أو الرغبة القهرية في العمل المتواصل بساعات العمل الطويلة التي تتجاوز متطلبات مكان العمل، أو الرغبات المادية البحتة، بالإضافة إلى التفكير المستمر في العمل ومهامه خلال الوقت الخاص مع الشعور بنقص الاستمتاع بمهام العمل نفسها. وقد يُنظر إلى إدمان العمل على أنه شرط أساسي للنجاح، خاصة في العصر الحالي الذي تهيمن فيه القدرات المادية والمكانة الاجتماعية على قبول الشخص أو رفضه، ونتيجة لذلك قد يجد بعض الأفراد صعوبة بالغة في تحرير أنفسهم منه.
ويرتبط إدمان العمل بمستوى منخفض من الصحة العامة، سواء جسدياً أو نفسياً، فيكون المصاب أكثر عرضة للمعاناة من أمراض القلق واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والاكتئاب واضطراب الوسواس القهري ، علاوة على مضاعفات صحية مثل أمراض القلب والضغط والسكري وآلام المفاصل والظهر والعنق.
.. كالإدمان على المخدرات
وتوضح مجلة “هيلثلاين” للصحة النفسية والعقلية أن إدمان العمل هو في الواقع حالة صحية عقلية، مثله مثل أي إدمان آخر، ويكمُن في عدم القدرة على إيقاف سلوك معين. وغالباً ما ينبع هذا الاضطراب من الحاجة القهرية لتحقيق المكانة والنجاح، أو للهروب من التوتر العاطفي والتفكير باسترسال في الأمور الحياتية المختلفة. وعادة ما يكون الدافع الرئيسي وراء إدمان العمل هو الرغبة في تحقيق النجاح الوظيفي، وهو مرض شائع بين الأشخاص الطامحين للكمالية والمثالية بشكل خاص.
ومثل إدمان المخدرات أو الكحول، يحصل مدمن العمل على نشوة معينة من إنجاز المهام، وبذل المزيد من الوقت والمجهود في وظيفته. وهو لا يستطيع التوقف عن هذا النمط رغم تبعاته السلبية التي قد تؤثر على حياته الشخصية وعلاقاته أو صحته الجسدية والعقلية.
التكنولوجيا ساهمت في نشر “وباء” إدمان العمل
وتوضح مجلة “فوربس” أن دور التكنولوجيا في توفير وسائل مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة جعل من الممكن العمل من أي مكان وفي أي وقت. وبالنسبة لبعض الأشخاص، هذا يعني العمل طوال الوقت حرفياً.
ورغم المميزات، تُدمر إمكانية أخذ العمل إلى المنزل الخط الفاصل بين الوظيفة والراحة، حيث يشعر الكثير من الناس بأنهم مضطرون لمواصلة العمل لفترة طويلة بعد انتهاء وقت الدوام الرسمي.
كما تسهم بيئات العمل الضاغطة ومواعيد التسليم النهائية المتسارعة والمتقاربة في مط ساعات عمل معظم الناس، ما يجعل الأمر صعباً على الكثير من الناس في فصل حياتهم عن وظائفهم.
وبحسب المجلة، توضح مقولة “الوقت من مال” طريقة التفكير الحديثة في تعريف قيمة الوقت المبذول في الراحة أو الذي يتم تخصيصه للعمل المهني وتحقيق الإنجاز، وهو ما دفع هذا النوع من الإدمان أن يكون بمثابة “إدمان هذا العصر”.
أعراض الإصابة بإدمان العمل
ويبرر المصابون بهذا المرض تصرفاتهم من خلال شرح سبب كون الأمر جيداً ويمكن أن يساعدهم في تحقيق النجاح. وقد يظهرون ببساطة ملتزمين بعملهم أو نجاح مشاريعهم. ومع ذلك، فإن الطموح والإدمان مختلفان تماماً.
وينخرط الشخص المصاب بإدمان العمل في عمل قهري متواصل خارج ساعاته لتجنب الجوانب الأخرى للحياة، مثل المشكلات العاطفية المقلقة أو الأزمات الشخصية.
وتشمل أعراض إدمان العمل ما يلي:
– قضاء ساعات طويلة في العمل، حتى عندما لا تكون هناك حاجة لذلك.
– اضطرابات النوم والأرق عند الانخراط في مشاريع العمل ومهامه.
– هوس الرغبة في تحقيق النجاح.
– وجود خوف شديد وذعر من الفشل في العمل.
– جنون العظمة بشأن أداء الفرد المرتبط بالعمل.
– تدهور العلاقات الشخصية بسبب العمل وعدم التواجد للعائلة والأصدقاء.
– اتخاذ موقف دفاعي عن العمل ضد الآخرين إذا ما عبّروا عن امتعاضهم.
– استخدام العمل كوسيلة لتجنب العلاقات والتهرّب من المسؤوليات الأخرى.
– تواصل الشعور بالذنب والتقصير أو المعاناة من الاكتئاب العام بشكل متواصل.
– العمل على تجنب التعامل مع أزمات مثل الموت أو الطلاق أو المشاكل المالية.
وحدد باحثون من قسم العلوم النفسية والاجتماعية بجامعة بيرغن النرويجية أعراضاً معينة تميز مدمني العمل، واضعين مقياساً محدداً لإدمان العمل يستخدم المعايير السبعة التالية لتقييم احتمالية إدمان الفرد للعمل:
– هل تفكر في كيفية توفير المزيد من الوقت من حياتك اليومية لتخصيصه للعمل؟
– هل تقضي وقتاً أطول في العمل عما كان مطلوباً منك منذ بداية توظيفك؟
– هل تعمل من أجل تقليل الشعور بالذنب والقلق والعجز وللتخلص من الاكتئاب؟
– هل يخبرك الآخرون بتقليل ساعات عمل دون أن تستمع لهم؟
– هل تصبح متوتراً إذا كنت ممنوعاً من العمل لأي ظرف كان؟
– هل توقفت عن إعطاء الأولوية للهوايات والأنشطة الترفيهية و / أو ممارسة الرياضة بسبب عملك؟
– هل تعمل بشكل متواصل لدرجة أن الأمر أثر سلباً على صحتك؟
وتشير “فوربس” إلى أنك إذا أجبت بـ “غالباً” أو “دائماً” على أي من هذه النقاط، فقد تكون مدمناً على العمل. وقد خلصت الدراسة التي قام بها الفريق النرويجي السالف ذكره إلى أن حوالي 10% من متوسط عدد سكان العالم العاملين مدمنون على العمل.
أعراض إدمان العمل
على الرغم من ساعات العمل الطويلة في صالح تحسين العمل وإنهاء أكبر قدر من المهام، فإن ذلك يضر بالشركات والأفراد على المدى الطويل.
ووجدت دراسة أجرتها جامعة ولاية كنساس الأمريكية عام 2013 أن الأشخاص الذين يعملون أكثر من 50 ساعة في الأسبوع كانوا على الأرجح يعانون من عواقب صحية بدنية وعقلية، لأن السلامة الشخصية ليست أولوية لديهم من الأساس.
وقد يبدو في البداية أن عدم القدرة على الانفصال عن العمل يؤدي إلى زيادة الإنتاجية. ومع ذلك، تنخفض الإنتاجية وتنهار العلاقات على المدى الطويل.
إذ يأخذ الإجهاد تأثيراً تراكمياً، وفي النهاية، يمكن أن يؤدي إدمان العمل إلى زيادة المخاطر الصحية وحتى المساهمة في حدوث الوفاة المبكرة.
ويخلق العمل لساعات طويلة أيضاً ديناميكية مثيرة للاهتمام، فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يعملون، زادت الأموال التي يكسبونها. لكن ساعات العمل الأطول تقلل من وقت الفراغ المتاح للاستمتاع بإنفاق المال. وبدون أن تدرك ذلك، يمكن أن تتحول الحياة بسرعة إلى عمل فقط دون استمتاع بثمار النجاح.
علاج الاضطراب
لا ينبغي أن يكون مدمنو العمل رمزاً للمكانة والنجاح، بل يجب التعامل معهم على أنهم حالة خطيرة وقنبلة موقوتة تنتظر أن تنفجر.
ويمكن أن ينتج إدمان العمل عن حالة صحية عقلية مزمنة، مثل اضطراب الوسواس القهري، أو الاضطراب ثنائي القطب. ويمكن أن يسبب الإدمان أيضاً مشاكل في الصحة العقلية، مثل الاكتئاب.
ولهذه الأسباب، تشدد مجلة “هيلثلاين”على أنه قد يكون مفيداً إجراء تقييم للصحة العقلية. ويمكن لخبير الصحة العقلية مساعدة المصاب في تصميم خطة للعلاج تشمل العلاج النفسي وحتى الأدوية والعقاقير المخصصة للتحكم في الدوافع والقلق والتوتر.
ويمكن أن يتراوح العلاج من حضور مجموعات المساعدة الذاتية مثل لقاءات مدمني العمل المجهولين أو التسجيل في مركز علاج والمصحّات المتخصصة.
وعادةً ما يتضمن العلاج تعلم كيفية الانسحاب من العمل تدريجياً، وإيجاد استراتيجيات لإعادة التواصل مع الأسرة والمعارف، وكيفية الانسجام في مهام الحياة المختلفة.
وأفضل مسار للعلاج هو تطوير الوعي الذاتي بأي ميول أو مخاوف تضطر الشخص إلى أن يصبح مدمناً على العمل.
ويعد الانسحاب التدريجي بأخذ إجازات منتظمة، وغلق الهاتف بعد انتهاء الدوام.
كما يعمل وضع حدود صحية بين ساعات العمل وساعات الراحة وأيام العطلة على تطوير التوازن بين العمل والحياة التي ستمنعك من أن تصبح مدمناً على العمل لاحقاً.