كرة القدم تتهاوى تحت مطرقة الاتحاد المستقيل وسندان اللجنة المؤقتة… منتخباتنا تعاني خارجياً في كل الفئات ومسابقاتنا المحلية بلا فائدة!
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
أنجز اتحاد كرة القدم ست مراحل من الدوري الكروي الممتاز في ثلاثة أشهر ونصف الشهر بواقع مرحلة كل عشرين يوماً وهو حدث قد لا نراه إلا بالدوري السوري وهو بشكله ومضمونه يفتقد إلى الصواب في العمل أولاً وأخيراً، والجميع يعرف أن الدوري في كل العالم مقدس تماماً ولا يمكن توقيفه أو تأجيل أي مرحلة من مراحله إلا لعذر طارئ شديد غير محسوب يمنع إقامة المباريات.
روزنامة الدوري الكروي في كل العالم موضوعة بدقة ومتناسبة مع كل النشاطات وبالأخص الخارجية منها ولا يمكن المساس بها لأنها أصل كرة القدم فمنها تنطلق وبها يتم البناء والتطوير، وهي هوية البلد الكروية، ومقياس الرقي بعالم كرة القدم هو الدوري قبل المنتخبات، فكلما كان الدوري منظماً وثابتاً كانت كرة القدم متوهجة ومتألقة وقوية وينعكس هذا الأمر على المنتخبات الوطنية خيراً بخير أو سوءاً بسوء.
وعلينا أن نعترف أن الموسم الحالي هو الموسم الأسوأ لكرتنا من كل الجوانب، حتى في سنوات الأزمة المظلمة لم تكن كرتنا بمثل هذا السوء من الفوضى والاضطراب وسوء الإدارة وسوء النتائج على الصعيد المحلي أو الخارجي.
غير مبرر
في الشكل العام فإن توقيف الدوري ليس له أي مبرر حقيقي فأغلب فرق الدوري لا تملك لاعبين في المنتخب الوطني، فالتوقف الحالي غريب الشكل والمضمون واللاعبون المغادرون مع المنتخب لبطولة كأس العرب معدودون على الأصابع، وإذا أحصينا فرق الشرطة والفتوة وحرجلة والكرامة والطليعة والنواعير وحطين وعفرين فلا نجد أي لاعب منها في المنتخب الوطني، ونجد لاعباً واحداً في الوثبة وجبلة ولاعبين في كل من الجيش والاتحاد وتشرين وثلاثة لاعبين من الوحدة، والعرف العام الذي دأبت عليه كرتنا أنها كانت في السابق لا توقف الدوري من أجل لاعب أو لاعبين، والفريق الذي لديه ثلاثة لاعبين فأكثر مع المنتخب الوطني يمكن تأجيل مبارياته.
والمشكلة أن أنديتنا لا تفضل هذا الأمر وتتمسك بلاعبها الذي سيمثلها في المنتخب وكأنه سيشيل الزير من البير في ناديه، مع العلم أن كل ناد يملك في كشوفه خمسة وعشرين لاعباً ومن المفترض ان يكونوا بأتم الجاهزية على الدوام وغياب لاعب أو اثنين ليس غريباً فأغلب الفرق تعاني من الغياب بشكل دائم لأسباب إدارية أو بسبب العقوبات أو بداعي الإصابة.
وإذا أضفنا إلى ما سبق أن أغلب مباريات منتخبنا اعتمدت على اللاعبين المحترفين في الخارج فنجد أن الدوري المحلي قد خسر الكثير من بريقه وعنفوانه بعد أن ضاعت أنديتنا في زواريب التأجيل ومتاعبه وملله.
الاتحاد الدولي لكرة القدم راعى مسألة المنتخبات الوطنية فمنحها كل شهر فترة عشرة أيام أو أكثر بقليل لتنفذ أجندتها الدولية سواء بالاستعداد أو خوض المباريات الودية والرسمية وهو بالوقت ذاته راعى مصلحة الأندية والدوري فلم يجبر أي لاعب على الالتزام مع منتخب بلاده خارج هذه الأيام.
وباعتبار ان كرتنا استثناء من ناحية الجاهزية والتحضير ونحتاج لفترة تحضير أطول لأن لاعبينا المحليين بحاجة إلى جرعات تدريب إضافية فقد كان المعمول به سابقاً أن يتم تجميع اللاعبين المحليين في معسكرات داخلية ضمن الدوري، كان الدوري يقام الجمعة ومعسكر المنتخب يبدأ الأحد حتى صباح الخميس، وعلى ما يبدو أننا تناسينا ذلك ولو عدنا إلى دفاتر الماضي لوجدنا الحل الصحيح.
وبكل الأحوال لم تنتج هذه المعسكرات والتوقفات منتخبات ناجحة بل جاءت عديمة الفاعلية، وساهمت بطريقة غير مباشرة بإضعاف الدوري لأن بوصلة الاهتمام اتجهت إلى المنتخبات على حساب بقية أمور كرة القدم ونشاطاتها، فظهرت مشاكل كرة القدم دفعة واحدة بسبب الإهمال والرعونة بالتعامل الجيد والصحيح مع كل قضايا كرة القدم.
الخلل الواضح
اتحاد كرة القدم المستقيل انصب اهتمامه على السياحة والسفر وتفرغ بشكل كامل للمنتخبات الوطنية، ودوماً كنا نجد رئيس الاتحاد وبعض أعضاء الاتحاد وأمين السر والموظفين المتنفذين في سفر طويل دائم، وهذا أحدث خللاً واضحاً في العمل بكل أركانه، ولمسنا الإهمال المقصود للحكام بسبب الخلاف الواضح بين رئيس الاتحاد ونائبه الذي تولى أمر الحكام، فدفع هذا الركن الرئيس ضريبة باهظة الثمن، وانعكس ذلك على كل النشاطات المحلية.
وكما كنا نرى في كل المواسم السابقة أن أحد أهم مشكل كرتنا والدوري هو التحكيم، إلا أن اتحاد كرة القدم لم يولي التحكيم الاهتمام المفترض سواء عن قصد أو غير قصد، ولم يسع إلى معالجة الأخطاء والخلل الحاصل ولم يقم بأي عملية تشعرنا أنه جاد بتطوير المسألة التحكيمية.
ففي كل دول العالم تقريباً يتم تجميع حكام النخبة الذين سيقودون الدوري الممتاز وقد لا يتجاوز عددهم الخمسين حكماً، وكما الأندية تستعد للدوري والمنتخبات تستعد لمسابقاتها الرسمية فالمفترض أن يحظى الحكام باستعداد مماثل.
الحكام العرب على سبيل المثال تطوروا جراء هذا الاهتمام من اتحاداتهم الوطنية سواء بمعسكرات خارجية أو داخلية واستقدام أفضل الخبرات التحكيمية للإشراف على دورات الصقل والتأهيل، وعلى سبيل المثال كنا دوماً نرى العميد فاروق بوظو مطلوب في بلاد العالم للإشراف على دورات الحكام ومعسكراتهم ومثله الكثير من خبراء التحكيم وهذا أمر معروف ومعلوم لدى الجميع.
لكن اتحاد كرة القدم دفع العير والنفير للمنتخبات الوطنية واستطاع تأمين معسكرات خارجية متعددة لكل هذه المنتخبات، وكان من المفروض أن يلبي حاجة الحكام بمعسكرات مماثلة، فالنفقات التي دفعها على هذه المنتخبات ليست قليلة والأعداد التي سافرت معها كثيرة ومنهم من سافر للسياحة فقط، ولا أظن أن معسكر وحيد في بلد متطور سيرهق ميزانية اتحاد كرة القدم ويصيبها بالعجز.
النهج ذاته
وفي الحديث عن التخبط نجد أن اتحاد كرة القدم استقال ولم يتغير أي شيء على الإطلاق وبقي الوضع على ما هو عليه دون أي تغيير، لذلك يسأل المتابعون ماذا استفدنا من إقالة اتحاد كرة القدم؟، وعلى العكس صارت الأوضاع أسوأ من ذي قبل وهو دليل على إفلاس هذه اللجنة التي فشلت حتى الآن بتصحيح خطأ واحد أو وضع أرضية صالحة لاتحاد كروي جديد قادم.
على صعيد المنتخبات لم يتغير أي شيء رغم أنها وصفت العمل الإداري بالأسوء، وبادرت إلى تغيير المدرب وتعاقدت مع مدرب مغمور، وفشلت بتشكيل منتخب وطني لاستحقاق مهم فغادرنا المنتخب إلى كأس العرب ناقص الصفوف، ولعل الهم الأكبر من المشاركة الوجود فقط بغض النظر عن الشكل والمضمون والفائدة المنتظرة من المشاركة تتمثل بنيل مبلغ 750 ألف دولار لكل منتخب مشارك، فاللجنة المؤقتة على ما يبدو اكتفت مسبقاً بهذا المبلغ ولم تتطلع إلى أضعافه في حال التأهل للدور الثاني أو الوصول إلى مراكز المقدمة فضلاً عن اللقب الذي لو فكرت به لحققت المجد من كل أطرافه.
مشهد اتحاد كرة القدم في الوقت الحالي نجده على الشكل التالي: غياب تام لأعضاء اللجنة المؤقتة وأمين السر لأنهم غادروا مع منتخبات الرجال والشباب والناشئين في معسكرات ومشاركات رسمية ولم يبق إلا رئيس اللجنة الموجود في قلب العاصفة وحيداً، وغادر معهم كبار الموظفين والمتنفذين، ولم يبق في الاتحاد إلا (كل طويل عمر!).
المشهد الآخر يضعنا أمام تصريحات المدرب الجديد تيتا وقد أدلى بتصريحات أقل ما يقال عنها أنها بالية وقد أكل عليها الزمن وشرب، منتقداً عمل من سبقه من المدربين وكأنه جاء بعصا سحرية معه، ولن نعلق كثيراً على ما يقول لأننا سننتظر نتاج عمله ووقتها لكل حادث حديث.
فالمشهد القاتم الذي نراه اليوم يضعنا بحقيقة تصريحات اللجنة المؤقتة والقيادة الرياضية عند بداية هذه المرحلة، وعلى ما يبدو أن هذه التصريحات كانت لذر الرمال في العيون، وعلى سبيل المثال لم نجد أي إجراءات إدارية أو انضباطية أو محاسبة شكلية للاتحاد السابق وخروقاته الكثيرة مالياً وتنظيمياً وإدارياً، وعلى ما يبدو أن هذه الوعود غير قابلة للتنفيذ لأسباب نجهلها.
على الصعيد المالي لامت اللجنة المؤقتة الاتحاد السابق المستقيل لأنه قصّر بتحصيل أموال الاتحاد الموجودة بالدول الأخرى وهي بالمليارات (4 مليار ليرة) ولم نجد أنها قد استطاعت تحصيل شيء من هذه الأموال، ولا ندري لماذا الغموض يلف الشأن المالي دائماً؟.
على الصعيد الإداري لم تستطع اللجنة المؤقتة تنفيذ وعودها بإصلاح اللوائح الأساسية في الاتحاد فبقيت على حالها كما هي، بل إنها لم تستطع قيادة مرحلتين من مراحل الدوري وقد شاهدنا فيهما الكثير من الشغب والشطط والخروج عن الأخلاق الرياضية، والقرار الذي جاء في غير محله أنها أصدرت عفواً بغير مناسبة فكافأت المشاغب وفتحت الباب مشرعاً أمام الشغب ليتحكم بالمشهد الكروي ليس بالدوري الممتاز فقط بل بكل النشاطات الأخرى.
على الصعيد التنظيمي فشلت اللجنة بتأمين رحلة مريحة ميسرة لمنتخب الشباب إلى العراق فاستغرقت رحلته من دمشق إلى أربيل 22 ساعة مع أن الزمن المفترض لا يتجاوز الساعتين بقليل.
وفشلت أيضاً بمساعيها مع الاتحادات العربية لتأمين بعض اللاعبين للمنتخب الوطني المشارك بكأس العرب، وفشلت بمساعيها بتأمين بعض اللاعبين المغتربين متابعة فشل الاتحاد المستقيل السابق، وفشلت بتأمين تجهيزات ومستلزمات ومصروف لمنتخبي الشباب والناشئين حتى تدخل رئيس الاتحاد الرياضي العام واعداً بحل المشكلة.
النجاح الوحيد الذي حققته اللجنة المؤقتة كان على الصعيد السياحي فلم تقصر بواجب السياحة كالاتحاد السابق المستقيل ولم توفر على الاتحاد الأموال التي أهدرها الاتحاد السابق (كما اتهموه)، بل زادوا من الصرف والهدر رغم أنهم أعلنوا سابقاً أن الاتحاد واقع بالعجز المالي نتيجة تجاوزات من سبقهم وهاهم قد سبقوه بها بزمن قياسي.
اللجنة المؤقتة رافقت جميع المنتخبات بكل معسكراتها ومشاركاتها في الإمارات والأردن ولبنان وقطر والعراق والسعودية وللأسف لم تستطع حتى الآن تحطيم الرقم القياسي للاتحاد السابق بعدد الكيلو مترات المقطوعة جواً وبراً، فلم تصل حتى الآن إلى كوريا وإيران والهند والسند!.
ما نود قوله أخيراً أننا بارعون جداً في التنظير وانتقاد الآخرين واتهامهم، أما في العمل فللأسف فنحن غير جديرين به، وهذه أهم نقاط ضعف كرتنا، فثقافتنا الكروية بكل أبعادها غير ناضجة، لذلك من الصعب أن نتفاءل باللجنة المؤقتة وقد خيبت الآمال كما خيب الاتحاد السابق كل آمال جماهير الكرة السورية.