منطقة شينجيانغ… مابين إدعاءات واشنطن المزيفة والحقيقة الواقعية
البعث الأسبوعية- محمد نادر العمري
في سابقة حملت الكثير من دلالات والأهداف الاستعمارية الأمريكية، وفي خضم محاولة احتواء الصين ونموها المتسارع، أقدم مجلس النواب الأمريكي في الثالث من كانون الأول 2019 بإقراره لما أطلق عليه “مشروع قانون سياسة حقوق الإنسان للأويغور لعام 2019″، والتي جاءت- كالمعتاد- في إطار سلسلة من الخطوات العدائية من جانب واشنطن تجاه بكين بغطاء نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، بدءاً من قيام إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في العام نفسه، بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على الواردات الصينية التي تتجاوز قيمتها 125 مليار دولار أمريكي، مروراً بتوقيع الرئيس ترامب على مشروع قانون حول ما يسمى حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ، وصولاً إلى الخطوة الأخيرة بشأن منطقة شينجيانغ.
في حقيقة الأمر يكاد المتابع يشعر بالدهشة والاستغراب بل والحيرة أيضاً، إزاء تفسير هذا السلوك الأمريكي العدواني والاستفزازي، الذي عكسته التصريحات والقرارات الأمريكية تجاه الصين عموماً وتجاه الأوضاع في شينجيانغ خصوصاً. بيد أن هذه الغرابة تزول فوراً بالنظر إلى دوافعها وأسبابها، اللامنطقية من جانب واشنطن من جهة، والمستندة إلى الحقائق على أرض الواقع من جانب بكين من جهة أخرى.
ففي الوجه الأول لا يخفى على أي مراقب لتطورات العلاقات الصينية- الأمريكية ما شابها من توترات وخلافات ظهرت إلى العلن خلال الأعوام الفائتة، على خلفية ما ترى واشنطن أنها قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان في الصين، وفي القلب منها أوضاع حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ الصينية والتي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية، عبر تسييسها ومعاييرها المزدوجة، النفاذ من خلالها كذريعة للتدخل السافر في الشؤون الداخلية للصين، كإدعاء وجود وثائق مسربة عن انتهاكات لحقوق الإنسان في شينجيانغ، ردت عليها بكين بكل قوة وحزم ومن خلال تبني مشروع القانون المشار إليه، بهدف تشويه جهود الصين في مجال مكافحة الإرهاب وإزالة التطرف تحت ستار ما يسمى بحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية، ومهاجمة سياسة الحكومة الصينية الخاصة بإدارة منطقة شينجيانغ، والتي حققت التنمية والأمن والاستقرار لسكان المنطقة وفق معايير وأرقام تنشر بشكل سنوي.
وليس بخاف ما تحظى به منطقة شينجيانغ من أهمية إستراتيجية بالنسبة للصين إذ تقع في قلب طريق الحرير وتعد واحدة من ضمن أربع مناطق حيوية بالنسبة لسلامة الصين الإقليمية، ويحتوي باطنها على الكثير من الثروات الطبيعية، كما تعتبر المنفذ الحدودي للصين مع دول وسط آسيا وروسيا وجسرها إلى أوروبا وهي العوامل التي جعلت واشنطن ترى في شينجيانغ ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها في مواجهة الصين لعرقلة تطبيق مشروع الحزام والطريق.
لذا، وعن طريق استغلال قضية شينجيانغ، تحاول وشنطن أيضاً العمل على فرملة عملية التنمية في الصين وعرقلة سعي بكين بدأب لتصدر المشهد الاقتصادي العالمي خلال سنوات معدودة. فإذا كانت الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي في الوقت الراهن، وتجاوز إجمالي ناتجها المحلي 14.16 تريليون دولار أمريكي في 2019 (قبل كورونا)، وهو ما جعلها المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد العالمي، فإنه يتوقع أن تصبح الصين أكبر اقتصاد بالعالم بحلول عام 2030، متجاوزة الولايات المتحدة الأمريكية.
نستنتج مما سبق، أنه في ظل تنامي دور البعد الاقتصادي كمحرك للتفاعلات والعلاقات بين دول العالم، ولاسيما القوى الكبرى، وتأثيره في تحديد المكانة والنفوذ السياسي للدولة لا نستغرب أن تلجأ واشنطن إلى إثارة المغالطات والأكاذيب بشأن منطقة شينجيانغ، في إطار سياسة الهيمنة الأمريكية وسياسة فرض القوة والنفوذ في العالم، لإنهاك الصين في مسائل داخلية ربما تعوقها أو تشغلها عن مواصلة نجاحها الاقتصادي، الذي سيترتب عليه مستقبلاً نجاح وقوة تضيف إلى المكانة السياسية والإستراتيجية المتنامية للصين على المستوى الدولي بشكل تؤجل فيه الولايات المتحدة الأمريكية تراجع هيمنتها ونفوذها على العالم لأطول فترة زمنية ممكنة، لتجنب تنازلها عن موقع القوى العظمى في عالم اليوم، في ظل تنبؤات وتوقعات بأن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن التنين الصيني.
وبقدر ما كان الموقف الأمريكي، كما عكسته الدوافع السابقة، يثير الدهشة والاستغراب لتعسفه وخروجه عن كافة الأطر والمعايير الحاكمة للعلاقات الدولية، بقدر ما كان الموقف الصيني عقلانياً ومسؤولاً وحازماً، على كافة المستويات رسمياً وشعبياً ومرتكزاً في الآن ذاته على توضيح الحقائق بشفافية ودون إخفاء لأي شيء بل ملامسة التطور يعكسه سكان المنطقة وتطور مستوى معيشتهم.
رفضت الصين الرسمية والشعبية، بشدة وبحزم قيام مجلس النواب الأمريكي بتمرير مشروع القانون المشار إليه حول منطقة شينجيانغ، حيث رأت بكين فيه أنه يشوه عمداً وضع حقوق الإنسان في شينجيانغ، ويشهّر بجهود الصين في اجتثاث التطرف ومكافحة الإرهاب، ويهاجم بضراوة سياسة الحكومة الصينية إزاء شينجيانغ، وينتهك على نحو خطير القانون الدولي والقواعد الأساسية الناظمة للعلاقات الدولية، ويتدخل على نحو سافر في الشؤون الداخلية للصين.
الرد الصيني على الخطوة الأمريكية جاء مقترناً بالحقائق والبراهين التي تفند مغالطات وأكاذيب واشنطن بشأن القضايا المرتبطة بشينجيانغ وبعض من هذه الحقائق يمكن مشاهدتها على الطبيعة لمن يزور منطقة شينجيانغ، حيث يلحظ فيها تزايد مراكز التعليم والتدريب المهني، وتطور منازل السكان المحليين، حتى الأفراد هناك يمارسون حياتهم الطبيعية، وهناك زيادة في عدد من يتلقون دروساً في اللغة الصينية والقانون ويتدربون على المهارات والحرف المهنية المختلفة ونمو الزراعة والصناعات المعتمدة عليها، وزيادة الاهتمام بالبنى التحتية .
علماً أن الحكومة المحلية في شينجيانغ قامت بتطبيق القانون في سلسلة الإجراءات والتدابير التي اتخذتها لمكافحة الإرهاب وإزالة التطرف، والتي جاءت متوائمة مع قرارات الأمم المتحدة ضمن “إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب”، و”خطة العمل لمنع التطرف العنيف” لحماية حقوق الإنسان الأساسية، وجميعها حظيت بدعم وتأييد الأفراد من جميع القوميات في شينجيانغ، ليتمخض عن ذلك القضاء على 1588 عصابة إرهابية تتبنى العنف، والقبض على 12995 إرهابياً، ومصادرة 2052 عبوة ناسفة.
وكانت للإجراءات الفعالة والحازمة التي اتخذتها الصين لمكافحة الإرهاب وإزالة التطرف في منطقة شينجيانغ نتائجها الإيجابية على المنطقة وعلى السكان المحليين فيها، حيث لم تشهد المنطقة أعمالاً إرهابية منذ ثلاث سنوات متتالية بما حفظ حقوق الحياة والبقاء والتنمية لدى أبناء شينجيانغ من مختلف القوميات، الأمر الذي ساهم في تحقيق الاستقرار وتدعيم عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية في شينجيانغ.
المؤشرات التي تؤكد ذلك عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، أن شينجيانغ استقبلت خلال العشرة أشهر الأولى من عام 2019 ما يزيد على 200 مليون سائح صيني وأجنبي، بزيادة 43% مقارنة مع ذات الفترة من العام 2018. وقام أكثر من 1000 شخص من نحو 70 دفعة من مسؤولي الدول والمناطق والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام والمجموعات الدينية والخبراء والعلماء بزيارة شينجيانغ، وأشادوا بنتائج الإجراءات الصينية لمكافحة الإرهاب وإزالة التطرف في شينجيانغ، وهو الأمر الذي يعكس الاعتراف المشترك والترحيب من جانب المجتمع الدولي تجاه سياسة الصين في شينجيانغ.
وازداد متوسط دخل الفرد لسكانها خلال الثلاثين عاماً الماضية بنحو 100 %، وخلال الفترة من 2014- 2018 نجح أكثر من 2.3 مليون فرد في شينجيانغ في التخلص من الفقر، وانخفضت نسبة حدوث الفقر في الأرياف في الوقت الحالي بمعدل 6.1% عن ما كانت عليه في الماضي. ومن المتوقع قبل انتهاء عام 2023 ستحقق شينجيانغ مع باقي مناطق الصين هدف التخلص الكامل من الفقر، ليس هذا فحسب وإنما أيضاً يتم ضمان حرية العقائد الدينية في شينجيانغ، بجانب حماية الثقافات التقليدية الرفيعة للأقليات القومية.
وهناك العديد من المواقف الدولية التي تؤكد ذلك أبرزها تمثل في تبنى مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في دورته الـسادسة والأربعين قراراً أشاد بجهود الصين في توفير الرعاية للمواطنين في شينجيانغ بدورته العادية التي عقدت في آذار 2018. وفي آيار 2019، وقع سفراء لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف من أكثر من 50 دولة خطاباً إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أشادوا فيه باحترام الصين وحمايتها لحقوق الإنسان في جهودها لمكافحة الإرهاب واجتثاث التطرف.
ورغم كل هذه الحقائق والبيانات والمعطيات والمواقف بما فيها الدولية تستمر واشنطن باستخدام قضية إقليم منطقة شينجيانغ للضغط على الصين بذريعة انتهاك الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها، وكأن الشعاران الأخيران لم ترهما واشنطن في صور تمثال الحرية المزيف الذي تحتضنه.