المقاومة الشعبية هي الخيار الأوحد لإخراج المحتل الأجنبي
البعث الأسبوعية – سنان حسن
جاء الكشف عن قيام قوات الاحتلال الأمريكي بالتعاون مع ميليشيا “قسد” الانفصالية بتركيب مصفاة لتكرير النفط في حقول رميلان، ليؤكد من جديد أنه لا اختلاف في السياسات الأمريكية في سورية سواء أكانت الإدارة جمهورية أم ديمقراطية، وأن ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد استلامه بشهرين من إيقاف عقد الشركة الأمريكية التي مكّنها ترامب من سرقة النفط السوري ما هو إلا مناورة أمام خصومه وحلفائه للقول إنه قادم بالفعل لتغيير الأوضاع في العالم ولن يسمح بما كان يقوم به سلفه، ولكن “المي بتكذب الغطاس” كما يقول المثل الشعبي، فاليوم ومع اقترابه من عامه الأول في البيت البيضاوي يسير بايدن على خُطا سلفه ترامب نفسها وبطريقة أكثر تشدداً وتطرّفاً مع بعض المكر والمراوغة التي لم يكن ترامب يحبذ استخدامها في سياسته، والنتيجة النهائية أن الولايات المتحدة الأمريكية ومرتزقتها ما زالوا يسرقون النفط السوري وبدلاً من تهريبه إلى العراق وتركيا باتت اليوم هذه الميليشيا الانفصالية قادرة على تكرير النفط المسروق وبيعه.
تنفيذ الاتفاق مستمر
في الثلاثين من تموز 2019 تم الكشف عن توقيع متزعم ميليشيات (قسد) مظلوم عبدي، اتفاقية مع شركة نفط أمريكية مقرها نيوجيرسي أسسها ويديرها مواطن أمريكي إسرائيلي مزدوج اسمه مردخاي “موتي” كاهانا، من أجل تحديث آبار النفط التي تسيطر عليها ميليشيات قسد وحسب الاتفاق فإن واشنطن وافقت أيضاً على توفير مصفاتين معياريتين لميليشياته لكنّهما لن تغطيا إلا نسبة 20% من احتياجات التكرير، واليوم تقول المعلومات الواردة من منطقة الرميلان إن الشركة ركبت مصفاة تكرير نفط بطاقة 3000 برميل يومياً، ما يعني أن العمل وفق الاتفاقية مستمر وليس كما أشاعت إدارة بايدن عن إيقاف الشركة الأمريكية عن العمل.. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من الاحتلال الأمريكي على أرض سورية؟.
أجواء دولية ولكن؟
خلال اللقاء الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن في مدينة جنيف السويسرية، تم الكشف أن الأزمة السورية كانت من بين الملفات التي ناقشها الرئيسان، حيث تم البحث في هذا الموضوع وتم إعطاء مؤشرات على أن العمل يسير نحو حلحلة الملف وتحقيق انفراجات فيه، والبداية كانت من بوابة مجلس الأمن بعد الاتفاق على تمديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، على أن تلحقها عدة اجتماعات في هذا السياق، حيث كشف السفير السوري في موسكو الدكتور رياض حداد في حديث سابق لـ”البعث” أن “المباحثات التي شهدتها جنيف بين مسؤولين روس وأمريكيين كانت إيجابية وبنّاءة لجهة وضع أسس للحل في سورية”، ولكن وعلى الرغم من كل الأجواء التي يمكن القول عنها إنها إيجابية، إلا أن الأمور على الأرض كانت غير ذلك، فقد كثف الاحتلال الأمريكي من عملياته اللوجستية على الأرض من تعزيز قواعده غير الشرعية وزيادة عدد العتاد العسكري فيها وتطويرها، كما كشفت معلومات من واشنطن أن القيادة الأمريكية الوسطى أعلنت عن مشاريع جديدة لتطوير قواعد الاحتلال في قاعدتيه غير الشرعيتين في دير الزور “حقل العمر – كونيكو”.
إعادة إنتاج داعش
وفي الوقت نفسه عمل الاحتلال الأمريكي بالتواطؤ مع الميليشيا الانفصالية على سياسة الأرض المحروقة في المناطق التي تسيطر عليها ولاسيما ذات المكون العربي من بوابة الزراعة والمحاصيل الاستراتيجية، إذ قامت بالتعاون مع مؤسسات أمريكية مشبوهة بتوزيع بذار قمح للمزارعين كـ”منحة” لزراعة أراضيهم مع بدء الموسم، ليتبيّن لاحقاً بعد الكشف على هذه البذار أنها مصابة بآفة الـ”النيمتودا” القاتلة للأرض والزرع، وهذا بحدّ ذاته عمل إرهابي خطير يستهدف الأرض والحجر قبل الإنسان.
والأخطر من كل ذلك هو سعي الإدارة الأمريكية إلى إعادة إنتاج “داعش” الإرهابي وإطلاقه في البادية السورية انطلاقاً من قاعدته غير الشرعية في التنف، حيث كشفت مصادر صحفية أن الهجوم الأخير الذي استهدف قافلة للجيش العربي السوري 50 كم شرقي المحطة الثالثة قد انطلقت فيه عصابات “داعش” من أماكن سيطرة الأمريكان في التنف السورية، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة ترفع من مستوى التوتر في المنطقة برمّتها، فماذا تريد من وراء ذلك؟.
مكرمة التسويات
في مقابل هذه التطوّرات الدولية عمدت الحكومة السورية إلى اتخاذ الخطوة الأكبر على مستوى منطقة الجزيرة السورية بافتتاح مراكز تسوية أوضاع في محافظة دير الزور وأريافها التي شهدت حتى الآن استقطاب عشرات الآلاف من المواطنين الذين غرّر بهم ومن لم يلتحقوا بالجيش العربي السوري، حيث لا تزال هذه المراكز تشهد إقبالاً لتسوية الأوضاع، وذكرت تقارير صحفية من دير الزور أن جزءاً كبيراً ممن سوّى أوضاعه كان يعمل لدى ميليشيا قسد، الأمر الذي قال عنه محافظ دير الزور فاضل نجار في حديثه لـ”البعث”: إن ميليشيا قسد ومشغليهم من المحتلين تلقوا ضربة موجعة حينما لمسوا وشاهدوا اندفاع الآلاف من أبناء الجزيرة السورية للعودة إلى حضن وطنهم، لأن هؤلاء المواطنين يعانون من واقع الحياة الصعب في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا قسد المدعومة من الاحتلال الأمريكي على صعيد فقدان الأمن والانفلات الأمني الذي تشهده المناطق التي تسيطر عليها، إضافة إلى غياب خدمات الصحة والتعليم، وقبل ذلك كله إدراك جميع أبناء الجزيرة أن لا شرعية على هذه الأرض إلا للدولة السورية التي هي الضامن الوحيد لأمنهم وحياتهم وكل ما يتعلق بهم”..
مقاومة شعبية
في موازاة العمل الذي قامت به الحكومة السورية من افتتاح مراكز تسوية، كان لافتاً ازدياد عمليات المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأمريكي، حيث لا يكاد يمر يوم دون الحديث عن هجوم على معسكر للاحتلال الأمريكي وميليشياته الإنفصالية من البوكمال في أقصى الشرق السوري إلى أقصى الشمال في الحسكة وأريافها، حيث اعترف الاحتلال الأمريكي خلال الأيام القليلة الماضية بإخلاء قاعدته غير الشرعية في التنف من الجنود والمعدات ونقلهم بعد ازدياد الهجمات عليها في محاولة لامتصاص الهجمات وزيادة التحصينات في القاعدة الإرهابية التي لا تتوقف عن احتجاز آلاف السوريين في مخيم الركبان وتجنيد العائلات في العمل ضد الجيش العربي السوري وحلفائه في تلك المنطقة من بوابة “داعش” الإرهابي، وقد أكدت اعترافات العديد من الهاربين من المخيم ما تقوم به قوات الاحتلال الأمريكي من تجنيد وتدريب لتلك المجموعات وإرسالها لمهاجمة القوات السورية في عمق البادية.
الهدف الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني
الشيخ ميزر المسلط رئيس مجلس وجهاء العشائر والقبائل السورية في الحسكة، أكد في تصريح لـ”البعث الأسبوعية” أنه في إطار الحرب على سورية وبعد إفلاس الإدارات الأمريكية وعجزها مع ذراعها الإرهابي في النيل من صمود سورية، كان لا بد من استخدام آخر الأسلحة وهو حصار الشعب السوري وفرض حرب اقتصادية عليه اعتقاداً من الإدارات الأمريكية أن ذلك سيقود إلى ضرر الحاضنة الجماهيرية المتمسكة بالشرعية الدستورية لنظامها السياسي الذي يمثل طموحاتها وتطلعاتها.
وهكذا بدأ الاحتلال الأمريكي بالتنسيق مع عملائه على نهب الثروات الوطنية الأساسية كالنفط والقمح، بل إن الاحتلال الأمريكي عمد إلى إحراق المحاصيل الزراعية وأخيراً إرسال البذار المدمّرة للتربة الزراعية على المدى البعيد لحرمان سورية من سلتها الغذائية التي توفرها جزيرة الخير والعطاء، وعليه فإن إنشاء مصفاة لتكرير النفط في الرميلان يشكّل حلقة جديدة من حلقات النهب الممنهج للثروة النفطية، إذ إن هذه المصفاة ستشكل رافداً اقتصادياً مهماً لعملائها بعد أن قرّرت الإدارة الأمريكية مؤخراً تخفيض المخصصات المالية لما يسمّى ” قوات سورية الديمقراطية”.
تعتيم مقصود
وأضاف الشيخ المسلط: أعتقد أن هذا الإجراء يأتي في إطار تزايد احتمالات الانسحاب الأمريكي من سورية بعد الانسحاب من العراق، ولاسيما أن المقاومة الشعبية قد زادت من وتيرة عملياتها ضد قواعد الاحتلال الأمريكي وهو ما تحاول الإدارة الأمريكية التعتيم عليه، لكنها تدرك أن فاتورة البقاء في سورية ستكون مكلفة جداً وهو ما لا تريد إدارة بايدن له أن يحصل كما حصل في أفغانستان والعراق.
وختم الشيخ المسلط بأننا جميعاً نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المحرك الأساسي للحرب على سورية، وهي التي اشتغلت على جميع الخطوط لضرب السيادة السورية من خلال إسقاط النظام السياسي الشرعي الذي اختاره الشعب السوري بصورة ديمقراطية، ويأتي التدخل الأمريكي لتحقيق مجموعة من الأهداف أولها الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني من القوة السورية المتنامية والمتصاعدة مع محور المقاومة بصورة أوسع، مؤكداً أننا في مجلس شيوخ ووجهاء العشائر والقبائل السورية اخترنا نهج مقاومة المحتلين الأمريكي والتركي وهناك إصرار من أبناء القبائل والعشائر على هذه المقاومة التي انطلقت عملياً ولابد في نهاية المطاف من خروج المحتلين.
خيار واحد فقط
في ضوء ما تقدّم يمكن القول: إنه لا يمكن التعويل على الحلول السياسية في ظل الإصرار الأمريكي على استخدام كل الوسائل والإمكانات لتحقيق أهدافه في سورية، ويبدو أن الخيار الوحيد والأمضى لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الجزيرة السورية وغيرها من مناطق سورية التي تسيطر عليها القوات الغازية الأمريكية والتركية والإسرائيلية، هو اعتماد نهج المقاومة الشعبية وتفعيله بكل الوسائل وتأمين كل متطلباته العسكرية واللوجستية، وعلى جميع الجبهات، وليس الاكتفاء بالأعمال الفردية وغير المنظمة، ولاسيما أن الأوضاع الدولية حول سورية في ظل الانسحاب الأمريكي المزعوم من العراق يعطي العمل الميداني ميزة تحقيق نتائج أكبر على الأرض، وما جرى في التنف وحقل العمر وكونيكو دليل دامغ على ذلك.