خارج حيز التنفيذ.. قروض مغرية وسقوف عالية لـ”المحدود” و”التنموية” والواقع يكشف حقيقتها!
دمشق- فاتن شنان
لا تزال المصارف العامة المعنية بمنح القروض لذوي الدخل المحدود تتوارى خلف طرح قرارات براقة تَعِدُ المستهدفين بنشاطها الائتماني بقروض مغرية وسقوف عالية، كمحاولة منها لمحاكاة التوجهات الحكومية العامة بتقديم المزيد من التسهيلات والمرونة المطلوبة تجاه تلك الشرائح لتخفيف أثر التضخم الحاصل ودعم الوضع المعيشي الراهن بتمويل مشاريع استثمارية متناهية الصغر تناسب قدرتهم المالية، لكن التطبيق الفعلي لتلك القرارات تحصرها في خانة “براقة دون جدوى” ولم تعكس النتائج المتوخاة لها، بل تكاد تكون شبه صفرية قياساً لحجم الفئة المستهدفة لعدم تناسب القروض مع ما تغطيه الرواتب والأجور الشهرية للأقساط المطلوبة لسقوف القروض من جهة، وتضخم الاشتراطات والأوراق المطلوبة لتنفيذ المنح على المقترض من جهة أخرى، فهل الغاية من تلك المقترحات تحسين “السمعة” للمصرف بالتزامه وتطبيقه بنوداً يفترض أن تتمتع بالمرونة والسهولة؟.
حبر على ورق!
التغنّي بالاكتفاء بكفيل واحد ورفع سقف القرض لخمسة ملايين، يمكن اعتباره حبراً على ورق طالما الأجور الشهرية لا تغطي قسط القرض، فمصرفا التسليف الشعبي ولاحقاً التوفير أقرا رفع سقف القروض لخمسة ملايين بكفالة كفيل واحد، ولكن العديد من الراغبين بالاقتراض بيّنوا أنه وعلى الرغم من إضافة الزيادة الأخيرة إلى رواتبهم وارتفاع تعويضاتهم واحتسابها بنسبة 100% لحصيلة المنح، لم يصلوا لسقف القرض، إذ يؤخذ بحسب التعليمات المصرفية ما نسبته ٤٠% من الراتب لقيمة القرض بالتوازي مع ٤٠% من راتب المقترض ليكون قادراً بالكفالة وحده، علماً أن أحد المصادر كشف أن المصرف يحتسب تمويله على نسبة٣٠% فقط لإفساح مجال للفائدة المطبقة على القرض ما يساهم في تدني القيمة النهائية للقرض، فتكون النتيجة قروضاً لا تتجاوز في أحسن أحوالها ثلاثة ملايين ليرة لأفضل الرواتب والتعويضات، ما عدا بعض الفئات ذات التعويضات العالية، ليكون الأجدر قياس مدى قدرة القرار في إفراز نتائج مختلفة عما سبقه وقياس أثره على متوسط الرواتب والأجور دون تخصيص فئة ما بقرار عام!.
سقوف وهمية
مجاراة تطلعات وتوجهات الحكومة تُبنى على قرارات تستند إلى أرض الواقع، هكذا من المفترض أن يكون، لكن رغم صدور قرار مصرف التسليف الشعبي القاضي بفتح السقوف تماشياً مع زيادات الرواتب المقبلة لتشجيع العاملين في الدولة على الاقتراض، إلا أن معظم من التقيناهم في فرع منطقة المزة أكدوا أنهم لم يحصلوا على فروقات واضحة ولم يتعدَ الأمر زيادة طفيفة على مجمل القرض ولم يستفد من تلك الخطوة سوى فئة محدودة، في المقابل الكثير من عمال إنتاج وموظفي قطاع إداري أكدوا عدم كفاية كفيل واحد لقرضهم كونه لا يغطي النسبة المطلوبة، إذ اضطروا إلى البحث عن كفيلين أو أكثر لتبقى إشكالية الكفلاء حاضرة في خفايا منح القروض!.
تفعيل “المخاطر”
مدير عام مصرف التسليف الشعبي الدكتور نضال العربيد بيّن أن الخيار الأفضل هو تمديد مدة القرض لسبع سنوات لتخفيض القسط الشهري على المقترض، وفسح المجال أمامه للاستفادة من قيمة أكبر، إلا أنه لا يزال خياراً يُدرس منذ فترة دون إقرار من المصرف المركزي، لافتاً إلى أنه لابد من تفعيل دور مؤسّسة مخاطر القروض لتقديم كفالات وضمانات تساهم في نشاط التسليف، ولاسيما في القروض التنموية التي تواجه الإشكالية نفسها.
مبالغات كبيرة..!
العربيد بيَّن أن مجمل الطلبات المقدّمة إلى المصرف البالغ عددها 85 قرضاً لم يصل إلى الإدارة منها سوى ثلاثة قروض تمّت مناقشتها وتسجيل الملاحظات حولها ومن ثم تمّ إعادتها للفروع لاستكمال ما يلزم، وأن معظم الطلبات المقدمة تحتاج إلى استكمال أوراق ثبوتية، وفيها دراسات جدوى غير مناسبة وأرقام افتراضية غير حقيقية ومبالغات كبيرة، ولفت إلى أن الضمانات المقدّمة تشوبها بعض الإشكاليات كعدم إمكانية رهن الضمانة العقارية أو غير متناسبة مع قيمة القرض، وفي بعض الطلبات يطلب المقترض التمويل بمبلغ معيّن ولكن المصرف يوافق بعد الدراسة على قيمة القرض الذي يتناسب مع الغرض منه، فتلقى العملية اعتراض المقترض وامتناعه عن متابعة العملية. ولتوضيح هذا الأمر أشار العربيد إلى وجود قيم ونسب معمول بها في المصرف حسب توجهات المصرف المركزي، إذ يموّل المصرف لتأسيس المشاريع بما لا يزيد عن 60% من قيمة المشروع بعدما كانت 50% فقط، وفي حال شراء أصول ثابتة ترتفع النسبة إلى 75% وتمّ تعديل تمويل رأس المال العامل من 60 إلى 75% وكذلك الأمر ينسحب على السيولة.
يختلط الأمر..
إشكالية مهمّة -لفت إليها العربيد- تواجه المصرف وكوادره بشكل عام في القروض الموجّهة إلى تمويل المشاريع المتناهية الصغر، تتمثّل بعدم وضوح الهدف من التمويل في أذهان الراغبين، إذ يختلط الأمر بين وجود فكرة يراد تمويلها فقط، وهنا يتجه الراغب بتنفيذها إلى المصرف كخطوة أولى ولا يملك المعلومات الكافية لآلية التنفيذ على أرض الواقع، وفي حال امتناع المصرف عن التمويل يعترض أو يروّج لعدم مصداقية المصرف بما روّج له، وبين من يملك الفكرة وقام بدراستها ووضع دراسة جدوى اقتصادية لها، وقد يبدأ الخطوة الأولى من تجهيز أوراق أو استئجار مكان عمل وحصر كافة المعلومات اللازمة لعمله ومن ثم التوجّه إلى المصرف، وهنا يقوم المصرف بدراسة ملفه وتنفيذ المنح وفق ما يراه مناسباً للمشروع، أما الإشكاليات القائمة في خانة التملك أو إيجار العقار المراد إشغاله والتي تقف عثرة في قبول الضمانة أو تنفيذ القرض، ولاسيما في المشاريع متناهية الصغر، فعلى المقترض معالجتها، إذ أن معظمها غير منظم بشكل قانوني أو في مناطق عشوائية.
يقتضي التشدد
أما ما يخصّ المشاريع الصغيرة، فقد أكد العربيد أن المصرف متشدّد في المنح كون السقوف عالية، وقد تصاب تلك المشاريع بالتعثر في حال التساهل في تدقيق الأوراق اللازمة أو الضمانات العقارية، بالمقابل فإن التمويل التنموي لا يزال خطوة جديدة على المصرف، وعليه فمن الطبيعي -بحسب العربيد- أن تشوبه بعض الإشكاليات سواء من قبل الكادر أو المقترض، ولكنه أكد أنه، وخلال الفترة القادمة، سيصار إلى دراسة كافة الملاحظات والإشكاليات الحاصلة لتخطيها لاحقاً.
ربح 3 مليارات
على هامش الحديث بيّن العربيد أن المصرف طوّر النظام التقني الخاص به، ويسعى حالياً لتطبيق مشروع الدفع الإلكتروني والربط مع شركات الدفع الإلكتروني، وقد ينجز المشروع في النصف الأول من العام الحالي، وكنتيجة للتسهيلات الممنوحة حصد المصرف ربحاً بنحو 3 مليارات ليرة العام الماضي.