غواية الحكاية
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
كما كثير من الأدباء كان البوح الأول للكاتب عماد الدن إبراهيم عبر الشعر، بحكم أننا شعب نشأنا على القصيدة وتربينا عليها، فنحن نسمع الشعر بشكل أصبح كخبزنا اليومي، من هنا كانت مجموعته الشعرية: “المتوحد راعي الرياح”، لكن على مايبدو أن الحكاية أغوته أكثر فاتجه إلى القصة القصيرة متأثراً ربما بألف ليلة وليلة القائمة على الحكاية، فكانت المجموعة القصصية الأولى للأديب إبراهيم بعنوان: “تداعيات الذاكرة المطرية” والمجموعة الثانية “تجليات شهرزاد” الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
تنطوي المجموعة على تجليين يضمان بينهما مجموعة من القصص متفاوتة الحجم تستقي روح الحكاية من أسلوب السرد الشهرزادي ليتجلى شهريار في استساغته لحكايات القصص وتماهيه معها، ففي التجلي الأول تحضر روح شهرزاد عبر موسيقا ريمسكي كورساكوف وهنا يأخذنا الكاتب في رحلة من المتعة الفنية عبر الخيال وما توحيه الموسيقا من معان وإيحاءات يعيشها كل منا حسب رؤيته وإحساسه بها، بينما في التجلي الثاني تحضر شهرزاد بشكل حقيقي أكثر من خلال معزوفة ريمسكي روسكاسوف أيضاً وتتبدى كطيف حلم، كروح من لحم ودم صعب المنال.
تأخذنا المجموعة إلى عالم الواقعية السحرية حيث الواقع يتاخم الخيال في أكثر من قصة في المجموعة بدءاً من التجلي الأول وبعض القصص التي تضمنها مثل (“آتشكاه” جبل النار والعرض الآخر ووقائع قبل النوم ووجوه عابرة….) وصولاً إلى التجلي الثاني وتجليات شهرزاد، وقد عبّر الكاتب في مجموعته هذه عن هواجس وأفكار ربما عاشها هو وربما عاشتها شخصيات أخرى عايشها الكاتب وكان على تماس مباشر معها فدوّنها في نسيج قصصي سلس وممتع بلغة بسيطة واضحة قدم من خلالها خلاصة تجارب تشبه كثيراً ما نعيشه من تفاصيل، وتؤكد أن ما يكتب من أدب ما هو لا تعبير عن أفكار ورؤى تخالج أرواحنا لكننا لا نعيرها اهتماماً أو لا نستطيع الإفصاح عنه.
استمد الكاتب مواضيع قصصه وأفكارها من واقعه وبيئته التي يعيش فيها، بوجدانية وروحانية قدّم فيها عبر ذاكرته الحية وخياله النشط حالات إنسانية تنشد الحياة بكل خياراتها وانفعالاتها، حيث تكشف لنا بعض القصص عن شخصيات تفكر بقضايا إنسانية بالغة الأهمية في حياتنا باعتبار البشر كائنات تحب التواصل، بينما نعيش في عالم أخذنا في زحمته وجرجرنا في متاهاته وانشغل كل واحد بحياته الخاصة بعيداً عن الناس والمجتمع مما رسخ سلبية العلاقات الإنسانية.
اتخذ الأديب عماد الدين إبراهيم أسلوباً مختلفاً في تناول موضوعاته، فنلحظ التمايز في رؤيته لفن القص، مما يوحي بالهاجس الذي تدور في فلكه قصص المجموعة، وقد أتت شخصيات القصص كلها نابضة بالحياة تعبر عن هواجسها وأحلامها بصدق وعفوية، والمتأمل في أسلوب المجموعة، يتحسس فيه البساطة والإيحاء والتكثيف والتركيز والوصف والقدرة على تسلسل الأحداث وترابطها، مشتغلاً على التوازي بشكل كلي راسماً الفجوة الهائلة لتسليط الضوء على المفارقات التي تعيشها شخصيات المجموعة، كما أن حضور صوت الكاتب الذي يروي تجارب أشخاص مختلفين بنوازعهم وأفكارهم وما تقع حواسه عليه، مع مخاطبته الصورة التخيلية لذاته في لغة تجسد أزمتها في زمن نفسي يمتد للكشف عن الدوافع التي حركت شخوصه وأحاسيسه لتقمص الأدوار على التوالي، جعل مجموعة “تجليات شهرزاد” تتسم بالواقعية الوصفية التي تنقل الواقع راسمة الخط الواصل بين الظاهر والأعماق.
إن الكاتب في مزاوجته بين الواقع والخيال في معالجة موضوعات قصصه يلتقط صوراً من الواقع الذي نعيشه ونعايشه في ثقافتنا ومجتمعنا، ليضعها بين يدي القارئ بغية تأملها وتحديد موقفه منها فنبدو ونحن نتصفح قصص المجموعة وكأننا نشاهد فيلماً قصيراً، أو نتأمل لوحة تشكيلية في غاية الإبداع، فأديبنا استطاع إيصال الرسالة للمتلقي من خلال نصوص قصصية تعتمد على التكثيف والفنية وجمالية اللغة وبلاغتها وقد كان دقيقاً في استخدام تقنيات السرد حيث حافظت القصة رغم بنائها القصير على النمط التقليدي إذ يحتفي بالحكاية وبسردها بشكل متواز من البداية إلى النهاية.