أقل ما يقال.. يخشى من مفاعيل عكسية..!
البعث الأسبوعية – حسن النابلسي
نعتقد أن قرار الحكومة الأخير القاضي بإلزام من يقوم بعمليات بيع العقارات سداد مبلغ عبر الحسابات المصرفية بما يعادل نسبة 15 بالمئة من القيمة الرائجة للوحدة العقارية، وسداد مبلغ يتراوح ما بين 3 إلى 20 مليوناً لعمليات بيع المركبات.. لا يخرج عن سياق حالة التخبط الذي ينتاب النهج الحكومي هذه الفترة..!.
لا شك من حق –بل وربما من واجب- الحكومة السيطرة على الكتلة النقدية الموظفة في عمليات بيع وشراء العقارات والسيارات والبالغة حوالى 6.5 تريليون ليرة سورية –حسب بعض التقديرات-، وضمان انسيابها ضمن الأقنية المصرفية النظامية لتبقى تحت أعين الجهات المعنية وعلى رأسها مصرف سورية المركزي، الناظم للسياسة النقدية.. وبالتالي يعتبر هذا القرار إحدى أدوات هذه السيطرة..!.
لكن في المقابل.. هل أعدت الحكومة البنية المصرفية المناسبة لاستقبال هذه الأموال، علماً أن البنية التقنية لأكبر مصرف في سورية وهو “التجاري” تعاني من إشكاليات كبرى لدرجة بات يصعب فيها فتح حسابات جديدة، ونُذّكر أن “التجاري” كان قد تحفظ على القرار رقم 5 الصادر بتاريخ 20/1/2020 والذي ألزم بوجوب الحصول على إشعار مصرفي بتحويل جزء من مبلغ أية عملية بيع لعقار أو سيارة، وذلك لعدم قدرته على فتح حسابات جديدة تواكب حركة البيع والشراء.. فكيف إذاً حال بقية المصارف..؟.. كما ونستذكر أيضاً ما أكده حاكم سورية المركزي الدكتور عصام هزيمة خلال حفل إطلاق عمليات الدفع الإلكتروني، “بأن فتح حساب مصرفي لا يزال يستغرق زمناً طويلا” في إشارة منه لجسامة الروتين والبيروقراطية في هذا المجال، وبالتالي فإن ثمة مشكلة كبرى تعتري المنظومة المصرفية.. وبناء عليه فإن الأولى تهيئة هذه المنظومة من الألف إلى الياء ليصار إلى تعميم الثقافة المصرفية بكل سهولة ويُسر..!.
الأهم.. ما رافق هذا القرار من هواجس لها علاقة بانحسار الطبقة الوسطى، والتي يشكل تجار العقارات والسيارات جزءاً لا بأس منها..؟.
ولعل الأكثر أهمية.. إذا كانت المصارف عاجزة حتى الآن عن توظيف ما بحوزتها من كتل مالية ضخمة في مسارات التنمية، فماذا ستفعل بما سيردها من أموال إضافية.. كما أنه ماذا بشأن تجميد مبلغ 500 ألف ليرة لمدة ثلاثة أشهر.. فهل يجوز قانونياً حيازة هذا المبلغ دون وجه حق بغض النظر عن قيمته ومدة هذه الحيازة..؟
وما يزيد الطين بِلّة هو تقييد سقف السحوبات المصرفية بملوني ليرة سورية يومياً فقط لا غير.. إذ أن الكثيرين ممن يضطرون لبيع عقاراتهم أو سياراتهم يكونون تحت ضغط الحاجة لـ”الكاش” إما بدواعي السفر أو للحصول على رأس مال لتمويل مشروع ما، أو للعلاج في الخارج..إلخ.
إن تقييد السحوبات عزز بانعدام الثقة بالقطاع المصرفي، علماً أن أصحاب الأموال لا يفضلون تخزينها في بيوتهم ولاسيما في ظل التضخم الحاصل حالياً وانعكاسها على حجم الأموال وصعوبة تخزينها في مكان آمن، ويفضلون إيداعها بالمصارف، لكن تقييد السحوبات اضطرهم إما للخيار الأول، أو تحويلها إلى أصول، وربما توجه البعض إلى سوق المضاربة بالدولار، ما يعني بالنتيجة أن تقييد سقف السحوبات لم يحقق الغاية منه –ولو نسبياً- وهو الحد من المضاربة، وقوّض بالوقت ذاته الحركة التجارية غير الفعّالة -بالأصل- كما يجب..!.
بكل تأكيد نؤيد أي إجراء لتعميم الثقافة المصرفية وانسياب الأموال ضمن القنوات المصرفية، لكن يفترض أن يكون هذا الإجراء مشجعاً لا منفراً.. فهل درست الحكومة المفاعيل المحتملة لهذا القرار من الجوانب كافة، أم اكتفت بدراسة جانب سحب السيولة من السوق للحد من المضاربة فقط..؟