تضليل إحصائي..!
غسان فطوم
في عصر اقتصاد المعرفة بات الرقم الإحصائي الدقيق والبيانات والمعلومات الصحيحة حجر الأساس للتنمية المستدامة، والبوصلة لاتخاذ القرار السليم وإيجاد الحلول المناسبة لأية مشكلة، وخاصة إذا اقترن ذلك بالتوقيت المناسب.
لو أسقطنا ذلك على واقعنا المحلي، وسألنا: أين نحن من هذه الحقيقة العلمية؟.
للأسف.. كل المؤشرات تدلّ على أن هناك أزمة ثقة بين المكتب المركزي للإحصاء والقطاعات الحكومية والقطاع الخاص أيضاً!. وإذا سلمنا أن مؤسّسات “الخاص” تتهرّب من ذكر الأرقام الصحيحة بهدف التهرّب الضريبي، لكن غير مقبول أبداً من مؤسّسة حكومية تتعمّد التلاعب بالأرقام، سواء بزيادتها أو إنقاصها، فهذه جريمة لا تُغتفر، لأن ذلك يُنتج حلولاً خاطئة أو خططاً تنموية فاشلة بعيدة عن الواقع الحقيقي، والمؤلم أننا شربنا كثيراً من مرارة هذا الكأس، وكانت النتيجة مشاريع تنموية فاشلة، واستثمارات وهمية، ونسب غير دقيقة عن البطالة والهجرة وغيرها من الأمور، كان آخرها الأخطاء الجسيمة التي حصلت فيما يتعلق بقرار الدعم نتيجة الاعتماد على بيانات غير صحيحة، كلّ هذا “التضليل الإحصائي” يجعل الحديث عن تنمية مستدامة ضرباً من الخيال، أو لنقل هدفاً بعيد المنال رغم كل الكلام الإيجابي الذي نسمعه بخصوص ذلك، لكن ثبُتَ أن النوايا وحدها لا تكفي، والشعارات والأمنيات لا يمكن أن تصنع تنمية، وإنما بالأرقام الدقيقة والبيانات الإحصائية الشفافة والواقعية ذات المصداقية والدقة التي توفر لنا قواعد بيانات تجعلنا بأمان في كل خطوة على درب التنمية.
بالمختصر، بات لزاماً أن نجعل من الرقم الإحصائي أداة لمحاسبة كلّ من يقصّر ويتعمّد تضليل أصحاب القرار وراسمي السياسات والخطط التنموية، وهذا يتطلّب أولاً، دعم المكتب المركزي للإحصاء وتوفير كل الإمكانيات اللازمة لإنجاح عمله، وثانياً تحذير مؤسّسات الدولة وشركات القطاع الخاص من التلاعب بالأرقام وتزويرها من خلال فرض عقوبات رادعة، وثالثاً على الإعلام أن يمارس دوره بكل شفافية في الكشف عن التضليل الرقمي البعيد عن الواقع وفضحه أمام الرأي العام، لنصل إلى استخدام صحيح للبيانات والأرقام الإحصائية التي تمكّننا من حسن التخطيط وتجنّب الوقوع في الأزمات والتعثّر في المشاريع الحيوية.
gassanazf@gmail.com