بإجماع ثلاثة أدباء.. لمى الحسنية تحقق شروط قصيدة النّثر
“كان هناك إجماعٌ على أنّ أبرز عناصر قصيدة النّثر هي: الإيجاز والتّوهّج والمجانية، وقلّة هي التي أجادت هذه العناصر”، بهذا الموجز المهمّ بدأ الشّاعر أسامة حمّود قراءته النّقدية للمجموعة الشّعرية “حوّاءات التّفاح” للشّاعرة لمى الحسنية، الصّادرة عن الهيئة المصرية العامّة للكتاب، ضمن سلسلتها الشّهرية “الإبداع العربي” التي تُعنى بإبداع الكتّاب العرب غير المصريين. ويضيف حمّود: أسقط هذه العناصر على تجربة لمى، ونرى أنّها منذ البداية تأخذنا بمشاغبتها، أي من الإهداء وأقتبس: “إلى علامة التّرقيم المائلة التي تفصلنا عن أقراننا الذّكور وتخبرنا منذ لحظاتنا الميمونة الأولى على هذا الكوكب على الرّغم من كلّ دعوات المهنئين بالرّفاه والبنين التي حاولت تجليس ذلك الخط يبقى مائلاً”، مبيناً: هذه لمحة ذكية منذ البداية وتستطرد في الإهداء إلى قولها: “إلى كتّاب الهوامش السّفلية.. إلى روحي النزيحة”، ونلاحظ هنا أنّها أخذتنا إلى فضاءاتها المختلفة وربّما المجنونة.
وينتقل حمّود إلى بنية الكتابة، فيقول: لعبت الشّاعرة لعبة العناوين الفرعية، فأنزلتها من برجها العاجي، إذ اعتدنا على أن يكون العنوان بالخط العريض في منتصف الصّفحة وربّما يقدّم استهلالاً مستفيضاً عن النّص، لكنّها جعلت العنوان جزءاً من النّص وأعطته الانسيابية ليكون كذلك، أذكر مثلاً: (الحبّ كائنٌ برمائيّ.. لا شيء يجمعنا وضجيج السّكون وسراديب القلب).
ويدحض حمّود ضرورة وجود وحدة عضوية في النّص، مستشهداً بنصّ “هديتي لك”، ومقتبساً منه ثلاثة مقاطع وكلّ منها غطّى معنىً كاملاً مختصراً ذلك بالقول: اللاقاعدة هي القاعدة الذّهبية، ولأنّ كلّ عمل لا يخلو من بعض الهنات سأذكر بعضها، مثلاً في الصّفحة الأربعين تقول: ثمّ يتركها لمصيرها ترفرف في فُلكه وكان الأجدر أن تكون فَلكه أي فضاءه وليس في سفينته، وفي الصّفحة السّادسة والخمسين تقول: في قبلة المساء عندما يداعب الرّيح خدّ وردة، لا أدري لماذا لم تكتب “تداعب”؟، وفي نصّ “أنا امرأة السّراب” تقول: نحن هنا لسنا بحاجة إلى التّقفية طالما أنّنا نكتب نثراً.
وهذا ما يؤكّده الشّاعر قحطان بيرقدار في قراءته وعرضه لهذه المجموعة، يقول: لست مع الإصرار على التّقفية في قصيدة النّثر لأنّها ليست من لوازمها إلّا ما جاء عفو الخاطر، فالقصائد المتحرّرة من القافية فيها إبداع وجمالية أكثر، ويؤخذ على المجموعة في بعض المواضع خفوت صوت الشّعر، لكن نحن أمام مجموعة متوهجة ومتوثّبة تصل مباشرة إلى قلب الملتقي وتثير داخله الكثير من الأسئلة، قصائد نثرية تتوافر فيها مجمل عناصر قصيدة النثر التي يصعب تحديدها بدقّة، وعلى الرّغم من كلّ التوصيفات التي حاول النّقاد وضعها إلّا أنّ “حواءات التّفاح” تُشعر المتلقي بأنّه أمام نصوص تستحق القراءة، نصوص صادقة نابعة من قلب صادق يعبّر عن أكثر التّفاصيل دقّةً في داخله مهما كان موضوع القصيدة، ولاسيّما الحبّ الحاضر بكلّ قوّة في أبهى تجليّاته فهو ليس انسيابياً أو هامداً بل هناك علاقة فلسفية وجدلية مع الآخر وهنا مكمن الجمالية، وثمّة مقاطع من قصائد تُشعر القارئ بالنّشوة لدرجة أنّه يتمنّى لو أنّه هو من كتب المجموعة.
ويؤكّد بيرقدار أنّه لا يقول مجاملةً بل يتحدّث عن إحساس شعر به، مضيفاً: من الواضح أنّ القصائد كُتبت بفنيةٍ عالية وثمّة تعامل مع اللغة وتطويعها ينمّ عن خبرة ودراية، كما أنّ هناك ابتكاراً لصور جديدة والتقاطاً لحالات أشبه بالمشاهد السّينمائيّة والأفلام القصيرة التي تختزل في طيّاتها الكثير من الكلام والمشاعر، لقد استطاعت غالبية القصائد أن تلعب لعبة اللقطات الخاطفة، وهذه من أبرز سمات قصيدة النّثر، يضاف إليها توظيف مفردات الحياة اليومية في السّياقات الشّعرية.
بدوره، قدّم الأديب راتب سكر مقدّم الأمسية قراءةً سريعةً في هذه المجموعة، يقول: من الواضح أنّ الشّاعرة تبني فنّها عن سابق تصميم، لا تكتب بعفوية خالية من الخطّة المنهجية الرّوحية المدبّرة، فكان الغياب واستدعاءه همّها في نصوصها وغالباً ما تقودنا إلى مساحات من الغياب، وفي ذلك استطاعت أن تجد جزيرة لقاء القارئ بعيدة عن المألوف لأنّ سمة الصّدمة هي حاضرة دائماً ورافقت المجموعة منذ البدايات، مضيفاً: هناك أفقٌ معرفيٌ وهو سمة من سمات قصيدة النّثر، أي شاعر هذه القصيدة هو كائن معرفي، وتُشعر القارئ بأنّ الكاتب استحضر مكتبات العالم إلى غرفته الصغيرة لكي يكتب قصيدةً واحدةً، تقول: “في الليلة الأولى بعد الألف” هي لم تقل شيئاً عن ألف ليلة وليلة، الشّاعر العارف والقارئ العارف هنا يصبحان شريكين معرفيين في رتوهات الشّعر العالية.. لقد تعوّدنا منذ سنوات على التّسرع في الكتابة، لكن اليوم نحن أمام مشروع جميل، وهذا يحمّلها مسؤولية كبرى وهي تحرّر نصوصها من كلّ ما هو فائض على هذا الكلام، وأن تستعدّ لمتابعة الرّحلة.
نجوى صليبه