المرأة.. المرأة!
أجل،
الكثيرون يشاركون في مناسبات وأعياد وتواريخ لا يعرفون عنها الكثير، وهم يفعلون ذلك قناعةً بأن ما قرّ عُرفاً هو أمر ثمين للبشرية، ولاسيما إن تعلّق بالأماني والمعاني الذهبية.
كثيرون لا يعرفون الأسباب التي جعلت من 8 آذار عيداً عالمياً للمرأة تقديراً، وتوقيراً، وانحناء لعطاءاتها الخالدة، ومع ذلك هم يحتفلون بهذه المناسبة ويعلون شأنها لأنها مرتبطة بالمرأة الأم، والأخت والزوجة، والرفيقة. وكي لا تظلُّ الأسرار محيطة بهذه المناسبة، أشير إلى أن هذا اليوم، 8 آذار، وارتباطه بالمرأة يعود إلى عام 1908، وذلك بسبب مجزرة مهولة جرت أحداثها، في الولايات المتحدة الأمريكية، بحق عدد كبير من النساء العاملات في مصنع للنسيج، لأنهن امتنعن عن مواصلة العمل احتجاجاً على أمور كثيرة، في مقدمتها: طول ساعات العمل من الصّباح الباكر إلى المساء المتأخر، وقلة أجورهن، وعدم مساعدتهن في الشؤون الصحية، ومنعهن من أخذ الإجازات لأيّ سبب كان؛ ذلك الامتناع عن مواصلتهن العمل في المصنع، دفع بصاحب المصنع إلى أن يغلق أبوابه عليهن جميعاً، ثم قام بإشعال النار فيه، مما أدى إلى وفاة جميع النساء العاملات، وكان عددهن حوالي 129 عاملة من جنسيات أمريكية وإيطالية وهولندية وكندية.. إلخ، ولأن هذه الحادثة البشعة وما خلفته من آثار مدمرة في الوسط النسائي، وما لاقته من تفاعل كبير في وسائط الإعلام، تنادى الكثيرون لجعل هذا اليوم يوماً للمرأة، أو عيداً للمرأة يحتفل به تقديراً للأدوار العظيمة التي لعبتها المرأة في جميع المجتمعات الإنسانية على اختلاف مستوياتها عامةً، واعترافاً بأن الظلم لحق بالمرأة طوال العصور، ولا يزال يطالها على الرغم من تقدم الوعي، وحضور الثقافة، والدعوات الصارخة من أجل تهذيب المعاملة وترشيد السلوك الذكوري مع المرأة، أي معاملتها كفرد كامل الحضور ، لا كأنثى محدودة الدور والفاعلية.
والحق أن الظلم وقع على المرأة ليس في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وإنما وقع عليها في الكثير من المجتمعات الإنسانية، لأن النظرة تجاه المرأة كانت قاصرة فهي لم ترّ في المرأة سوى الجانب الأنثوي وما فيه من رقة وضعف مقارنة بالرجل، ولكن المرأة، وبعيداً عن الجانب البيولوجي، هي فرد بشري غني بتفكيره، وأعماله، وصفاته، وسلوكه، وهي لا تقل في أيّ منها عن ما يتمتع به الرجل، لكن الظروف والأحوال الاجتماعية والاقتصادية من جهة، والعادات والتقاليد والأعراف والتصورات من جهة أخرى أبعدت المرأة عن الرجل خطوات في الدور والفاعلية، وفي الحضور والعطاء، فظلّ الرجل يتقدمها على أكثر من صعيد ومنحى.
إن نظرة سريعة لما اشتملت عليه مدونات الآداب والفنون تبدي لنا أهمية المرأة الخلّاقة، فهي دائماً جهة للضوء، وجهة للعظمة، فـ شهرزاد في (ألف ليلة وليلة) بعقلها وثقافتها لم تنقذ بنات جنسها من الموت والفواجع فحسب، بل أنقذت المجتمع من الدموية والوحشية اللتين جسدهما شهريار / الرجل، وتوليسينا، في (دونكيشوت) كانت هي الجهة الاعتبارية التي ترفع إليها أعمال الفروسية النبيلة التي تقوم بها الرجال، وجان دارك كانت هي المنقذة لمجتمعها عبر جسارتها وبطولتها، والخنساء كانت في مقدمة شعراء العرب، وليس في مقدمة شواعر العرب فحسب، والنساء اللواتي تسلمن المسؤوليات فكن قادة لمجتمعاتهن أكثر مما يُحصى عديدهن، وقد أبدين السمات الحقيقية التي تمثل المرأة الفرد بكامل هيبتها وجلالها.
يوم المرأة العالمي 8 آذار 1908، مناسبة مهمة للاعتزاز بما تمثله المرأة، وما تعطيه، وما تسعى إليه من أحلام نبيلة.
حسن حميد
Hasanhamid55@yahoo.com