كرة اليد تراوح في المكان والاحتراف الجزئي لن يطورها
البعث الأسبوعية- عماد درويش
لم تنافس لعبة جماعية الشعبية الجارفة لكرة القدم كما فعلت كرة اليد ، منافسة تقلصت في السنوات الأخيرة لعدة أسباب وعوامل أجبرت محبي اللعبة على الإنزواء بعيدا عن الأضواء وترك الأمور تسير بالبركة أو بعشوائية لم تكن يوما ما موجودة في الرياضة التي دخلت سورية في نهاية خمسينيات القرن الماضي.
فعندما تعود بنا الذاكرة إلى القرن الماضي، وبصورةٍ خاصة في العام 1976، في حينها، كانت كرة اليد السورية في أوج عطائها، وفاز منتخبنا الوطني ببطولة كأس العرب، وكانت تضمّ نخبة من اللاعبين المخضرمين، كما كانت في وقت من الأوقات مصدر للفرح والانتصارات للجماهير الرياضية،لكنها أصبحت الآن في حال يؤسف عليه، خاصة خلال الاتحاد الحالي الذي شهد الكثير من المشاكل ما أوصلها للاتحاد الدولي لسنا في صدد الحديث عنه.
أعداد قليلة
قبل عقدين أو ثلاثة عقود من الزمان كان عدد الأندية المشاركة في منافسات ومسابقات اتحاد كرة اليد يصل إلى 30 ناديا أو يزيد، وفي معظم محافظات القطر نجد على الأقل ثلاثة أندية يتنافسون في مسابقات المراحل السنية والدوري العام.
ونحن الآن في العام 2022 ولا نرى سوى أعداد قليلة من الفرق والأندية المشاركة في المسابقات، حيث اختفت أندية محافظة دمشق (باستثناء الجيش)، وقبلها أندية محافظات حلب والرقة ودير الزور ودرعا، وبات تواجد أندية محافظة حماة مجرد اجتهادات شخصية.
كوادر اللعبة اعتبرتها مع كرة الطائرة وغيرها من الألعاب “ألعاب مهمشة” في ظل احتراف كرة القدم والسلة، كونها تفتقد إلى روزنامة عمل على مدى السنوات القادمة لمعرفة الأولويات، وفي هذه الحالة سيكون كل عملها عشوائي وفردي وبدون نتيجة، طالما يتم العمل وفق عقلية غير احترافية وليس كفريق واحد، وينقصها الكثير لتغيير القوانين، والأنظمة الخاصة بها للوصول إلى الأهداف المرجوة.
تطور جزئي
كل ما تقدم ذكره تم مناقشته خلال انعقاد المجلس المركزي للاتحاد الرياضي، وخلافاً لما كان متوقعاً حول واقع كرة اليد وأزمتها الإدارية الحالية أتحفتنا جلسة المجلس المركزي بالموافقة على الاحتراف الجزئي للعبة بدلاً من ملامسة ومناقشة واقع اللعبة المتردي، والموافقة على الاحتراف الجزئي لم يمر كخبر عادي بل استوقفت خبرات باللعبة التي تساءلت هل طبقنا الاحتراف الصحيح على كرتي القدم والسلة حتى نطبقه على بقية الألعاب؟ فجميعنا متفق على أن الرياضة أصبحت مهنة لكن هل لدينا البنية التنظيمية والمادية أصلاً لفكرة الاحتراف؟،وهل لدينا النادي واللاعب والإداري والحكم وأعضاء مجالس الإدارات والمنشآت التي تستطيع مواكبة تطبيق الاحتراف، بل على العكس تماماً نفتقد مقوماتها تماماً والأجدى أن نمتلك إدارات محترفة تستطيع التخطيط والتنظيم لتقود الرياضة بالمسار الصحيح.
احتراف مدعوم
الخبير الدولي في كرة اليد أسعد العظم أكد ل” البعث الأسبوعية” أن الاحتراف بحاجة لدعم معنوي ومالي (أدوات وتجهيزات وألبسة …إلخ ) فقد أصبح كل شيء حاليا مكلف، وإذا أردنا نجاح الاحتراف يجب أن يكون شامل للمدربين واللاعبين وهي أمور مسلم فيها، وإذا لم يكن هناك الدعم اللازم فإن الاحتراف سيخلق ميتا، خاصة وأن الأندية التي تمارس كرة اليد فقيرة وبعضها يشارك بالمسابقات المحلية بفئة أو فئتين فقط لأنه غير قادر على دفع تكاليف المشاركة بكافة الفئات، فكيف سيدخل الاحتراف على اللعبة وهو يكلف الكثير من المال؟.
وأضاف العظم: الاحتراف يجب أن يكون مدعوما مركزيا ولفترة خمس سنوات على الأقل حتى تستطيع اللعبة أن تتأقلم مع الوضع، وحاليا نجد أن الاحتراف المزمع تطبيقه ينطبق فقط على لاعبي الرجال أما بقية الفئات فغير معنية به، والاحتراف الجزئي هو نقل لاعب من نادي لآخر وهو المقصود به من خلال المجلس المركزي (أي تبادل اللاعبين المميزين بين الأندية) وإذا أردنا أن نطور اللعبة فهناك الكثير من الأساليب والطرق، وأفضل طريقة وهي فعالة أن نختار محافظة معينة تكون الأنسب من حيث توفر الإقامة والصالات وغيرها، ويتم استدعاء اللاعبين المميزين من كافة أنحاء سورية وضمن مقاييس معينة، ونقيم لهم معسكر مفتوح على مدار العام وبوجود كادر تدريبي على مستوى عالي (ليس كادر واسطات) وإقامة معسكرات خارجية لعدة سنوات عندها تتطور اللعبة، وليس كما حصل سابقا حيث أقمنا مراكز تدريبية لكنها فشلت.
تخبط مستمر
من جهته الحكم الدولي السابق أسعد العيد أوضح أن اللعبتين المحترفتين القدم والسلة لم يطبق فيهما الاحتراف بالشكل الصحيح، والدليل أن الداعمين لهما أصبحوا يهربون بسبب الضائقة المالية، كذلك الأمر بالنسبة للأندية التي تعاني هي الأخرى من قلة المال، والسؤال كيف سيكون الحال بالنسبة للألعاب المنسية ومنها كرة اليد؟ ،ومن الذي سيصرف عليها لكي تتطور خاصة وأن الأندية التي تمارس اللعبة باتت تعد على الأصابع، إضافة إلى أنه لا يوجد داعمين للعبة، فباستثناء بعض الأندية ومنها أندية الهيئات التي تصرف على اللعبة إلا أن بقية غير قادرة على الصرف عليها
وأشار العيد إلى أن الداعمين لكرتي القدم والسلة يهربون بمنتصف الموسم من دعم الأندية لعدم توفر المال، وإذا دخل الاحتراف على كرة اليد من سيقدم لها وللاعبيها وكوادرها المال، مبينا أن اللعبة تعيش حالة من التخبط بين أبنائها، فبدلا من تضامنهم مع بعضهم لتطوير اللعبة نجدهم يتقاتلون على المناصب.
وكشف العيد أنه ليس ضد الاحتراف إذا كان ينتشل اللعبة ويرفعها للأعلى، ولكن قبل ذلك يجب البحث عن الجهات الداعمة للعبة من إعلام وشركات وغيرها، وإذا لم تتوفر كل تلك المقومات فلا داعي للاحتراف.
حالة استثنائية
أما اللاعب الدولي السابق حسان جزار فلفت إلى أن كرة اليد هي اللعبة الشعبية الثالثة في سوريا على العموم وقد تكون اللعبة الشعبية الأولى في بعض المحافظات إلا أن هذه المحافظات لا يوجد فيها أندية غنية مثل دير الزور والرقة ودرعا وحماة التي تعيش حاله استثنائية بكره اليد لوجود ناديي الطليعة والنواعير، وبالتالي أغلب الأندية الممارسة للعبة هي أندية فقيرة ولا تملك المال الكافي لممارسة اللعبة كهواة، ومعظمها ليس لديها صالات خاصه للتدريب وليس لديها تجهيزات ولا كرات ولا حتى لباس خاص للاعبين وأحذية خاصة بهذه اللعبة.
واوضح الجزار إذا أردنا تطبيق الاحتراف عليها فهذا يعني وجود أنديه كبيرة وغنية وقاعدة قوية، لكن نحن مازلنا بعيدين جداً عن هذه الحالة ، ونحتاج لفترة زمنية لا تقل عن خمس سنوات كحد أدنى لكي نتجرأ على القيام بهكذا مشروع، فحاليا لا يوجد شيء اسمه احتراف فكل اللاعبين الموجودين حالياً بفئة الشباب والرجال غير محترفين فعليا ، ويمكن وضع نظام خاص لهم لتأمين مورد مالي معقول يتماشى مع الوضع الراهن، ويجب تأمين متطلبات اللاعبين من تجهيزات وادوات واقامة لائقة وأماكن تدريب جيدة، وماعدا ذلك لا يمكن أن تنبى هذه اللعبة.