تحقيقاتصحيفة البعث

يحتاجون للحب.. أطفال التوحد ليسوا قطعة خشب مركونة بزوايا البيت!

مرّ بالأمس اليوم العالمي للتوعية من مرض التوحد والذي يخصص عادة لتقديم المزيد من الدعم للأشخاص المصابين بهذا المرض على مستوى المجتمع المحلي، ومن المقرر أن تقيم الأمم المتحدة حدثا افتراضيا في 8 نيسان الجاري احتفالا بهذا اليوم  تحت شعار “التعليم الجيد الشامل للجميع.”

في سورية كُتب الكثير عن معاناة أطفال التوحد، ولكن لغاية اليوم لم ننجح كمجتمع وأسرة في التعامل مع هؤلاء الأطفال، الذين ما زالوا يعيشون في عالم مظلم نتيجة إصابتهم باضطراب عصبي يجعلهم يفقدون الرغبة والقدرة في التواصل الاجتماعي مع محيطهم داخل الأسرة وخارجها، وتروي إحدى السيدات وهي تشرح غرابة سلوكيات ابنها التوحدي ” أشعر أن ابني عندما احتضنه كأنه قطعة خشب لا يوجد عنده أي مشاعر يبديها لي”.

لا إحصائيات دقيقة

لا يوجد معلومات حديثة ودقيقة لانتشار طيف التوحد في سورية، لأن هناك مراكز تستقبل أطفال التوحد وهي غير مسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى التنوع في أدوات التشخيص والمعايير المعتمدة التي قد تضيف أطفالا لا يعانون من الاضطراب كاملا أو تنقص أطفالا لم يتم تشخيصهم بشكل دقيق، ولكن المطلع على الأطفال المسجلين في المراكز يلاحظ الزيادة في تلك الأعداد عاما بعد عام، وبحسب ذوي أطفال التوحد هناك مراكز تنقصها خبرات في التعامل الصحيح مع الأطفال المرضى وهذا ما يستدعي ضرورة مراقبتها وتطويرها.

سلوك نمطي

وتوضح الدكتورة غالية المارديني /قسم التربية الخاصة في كلية التربية/ أن طيف التوحد هو اضطراب نمائي ناتج عن خلل عصبي في المخ متعدد الأسباب يظهر فيه التراجع الواضح في عمليات التواصل والتفاعل الاجتماعي مقارنة بالأطفال العاديين في المرحلة العمرية نفسها، مشيرة إلى أن ذلك يترافق بحالات من السلوك النمطي التكراري مع ظهور اضطرابات حسية ملموسة ويحدث مع مستويات عقلية مختلفة لكن على الأغلب مع مستويات متوسطة وما دون وتتجلى مظاهره في السنوات الأولى من العمر.

هروب وعزلة

وبينت الدكتورة المارديني أن سبب حدوث التوحد يمكن توضيحه بالاستناد لعدة نظريات منها: النظرية السيكولوجية التي فسرت التوحد على أنه حالة من الهروب والعزلة من واقع مؤلم يعيشه الطفل نتيجة الجمود والفتور في العلاقة بينه وبين أمه، والتي قد تكون نتيجة طبيعة العلاقة بينها وبين زوجها المتسمة بالبعد عن الحب، ولفتت إلى أن هذه النظرية لاقت من انتقدها بحجة أنه ليس كل أطفال التوحد نشؤوا في مثل هذه الظروف وأن أخوة أطفال التوحد غالبا ما يكونون طبيعيين.

وهناك النظرية الجينية التي ربطت أعراض التوحد بالخلل في الكروموسوم الثاني الذي له علاقة باضطرابات النطق، ودراسات أخرى أوضحت أن كلاً من الجين ١٧و٣و١٨يشتركون في الخلل في العائلات وكلها تصاب بالتوحد وغالبا في نهاية الدراسات الجينية يوصى بإجراء المزيد من البحوث، بينما تركز النظرية البيوكيميائية على النواقل العصبية المهمة في الجهاز العصبي المركزي والتي منها السيروتونين الذي يتحكم في العديد من الوظائف والعمليات السلوكية، وبينت دراسات أخرى أن زيادة كمية  الدوبامين تؤدي إلى ظهور السلوكات التوحدية وكل فئة من الباحثين تؤمن أن نوعا محددا من النواقل العصبية هي المسببة لأعراض التوحد والبحوث  ما زالت مستمرة.

وبحسب المارديني هناك النظرية العصبية التي أظهرت أن بعض اختبارات التصوير الدماغي وجود اختلافات غير عادية لدى المصابين باضطراب طيف التوحد، كما أظهرت فروقا في المخيخ حيث وجد بعض الضمور في خلايا بوركنجي، وقد يعزى هذا إلى التكوين المعقد في جذع الدماغ للطفل التوحدي، فيما ربطت النظرية الغذائية اضطراب التوحد  بعدم قدرة الطفل على هضم مادة الجلوتين الموجودة في القمح والسميد التي قد يرتبط عدم هضمها بظهور أعراض مثل “عدم الشعور بالألم والحركة الزائدة والسلوكات غير المقبولة اجتماعياً”، وقد لجأ بعض المختصين إلى حمية عن مشتقات القمح ولاحظوا تراجعا في سلوكات التوحد.

رعاية واهتمام

الدكتورة نسرين موشلي (كلية التربية– جامعة دمشق) توجهت  إلى الأهل بضرورة الكشف المبكر عن التوحد بالتوجه إلى الأخصائيين في حال ظهور أعراضه لدى طفلهم أو الشك بأن لديه اضطراباً أو مشكلة، لأن الكشف المبكر يسهم بمساعدة الطفل وعلاجه وتعليمه، كما أوصت الأمهات بضرورة الاهتمام بصحتهن الجسدية والنفسية والغذائية أثناء فترة الحمل، وعدم الخوف والتوتر في حال اكتشاف الوالدين أن طفلهم يعاني من التوحد لأنه يحتاج لهما بالرعاية أكثر من قلقهم وبكائهم وخوفهم، مؤكدة أن طفل التوحد عندما يتلقى الدعم والاهتمام المناسبين من الأهل والمركز الموجود فيه فإن الكثير من الأطفال وخصوصا من لا يعانون من إعاقة ذهنية مرافقة يستطيعون الاندماج في المدارس العادية مع تهيئة المعلمين والرفاق لوجود طفل توحدي في الصف، فهم يمتلكون مهارات حفظ رهيبة ولديهم براعة في جوانب الإدراك البصري تحتاج لاستغلالها.

علاج دوائي أم سلوكي؟

وأشارت إلى أن العلاج بالأدوية هو اختصاص الطبيب النفسي، فيما العلاج السلوكي والتربوي الذي يحتاج للعديد من برامج التحليل السلوكي يركز على السلوك المستهدف بذاته للعلاج ونظام تبادل الصور التواصلي للأطفال غير الناطقين، كبرامج تعديل السلوك، والعلاج بالتكامل الحسي، والعلاج بالموسيقى والرياضة وغيرها من البرامج حسب حالة الطفل.

أرقام

وفقا لمنظمة الصحة العالمية “يعاني واحد من كل 100 طفل من التوّحد الذي يشكل مجموعة متنوعة من الحالات المتعلقة بنمو الدماغ، فعلى الرغم من إمكانية اكتشاف الخصائص في مرحلة الطفولة المبكرة، إلا أنه غالبا لا يتم تشخيص الإصابة بالتوّحد إلا بعد فترة طويلة”.

الكثير من  الحب

محلياً تواصل المنظمة السورية للأشخاص ذوي الإعاقة (آمال) تقديم خدمات الكشف المبكر عن الاضطراب عبر مركزها التخصصي بدمشق، وهي خدمات متاحة لكل أسرة تلاحظ وجود مشكلة غير محددة لدى طفلها ولاسيما التي تتعلق بمؤشرات التواصل وتكرار حركات نمطية وفق بيان للمنظمة.

ويبقى أن نشير إلى أن أطفال التوحد يملكون الكثير من الذكاء وخصوصا إن لم يكن مترافقا مع الإعاقة الذهنية، وهم بارعون في ملاحظة ردود أفعال الأهل على أفعالهم ولكن بحاجة لمن يخرجهم من قوقعتهم، وهذا يتطلب من الأهل الكثير من الحب الحقيقي وبذل الجهد لتنمية التواصل البصري لدى أطفالهم، وحين يعجزون بمفردهم فلا بد من مراجعة اختصاصي ينمي التواصل البصري لدى الطفل لأنه مفتاح تعلم كل المهارات فيما بعد وهو ما يوصى به بشكل مبكر.

ليندا تلي