شهر الصّيام في قصيد الشّعراء
لا يستقبل الشّعراء شهر رمضان شهر الصّيام استقبالاً عادياً، كما أنّهم لا يتبادلون المباركات بقدومه بعباراتٍ مألوفةٍ أو جاهزةٍ، إنّما يفعلون ذلك بفرد عضلاتهم اللغوية وحالاتهم الشّعورية غائصين في بحور الشّعر وناجين بقصائد مختلفة المشاعر والأغراض والمواضيع، يقول الإمام الشّافعي (150-204هـ/ 767-820م) بمناسبة قدوم الشّهر الكريم:
أشتمّ من شهر الصّيام شذاه من قبل أن ألقاه.. واشوقاه
يا فرحتي بقدومه يا فرحتي ضيفٌ كريمٌ كيف لا أهواه
يا ربّ بلّغني وكلّ أحبّتي نفحات أنسك فيه يا الله
كذلك كانت بداية شهر الصّيام مناسبة لبعض الشّعراء للتّقرّب من الأمراء والخلفاء، كتهنئة الشّاعر البحتري (821 م/204 هـ) الخليفةَ المتوكّل بن المعتصم بن هارون الرّشيد بشهر الصّيام وحلول عيد الفطر:
بالبرّ صُمتَ وأنت أفضلُ صائمٍ وبسنّة الله الرّضية تُفطر
فانعم بعيد الفطر عيداً إنّه يوم أغرّ من الزّمان مُشهرُ
أمّا الشّريف الرّضي (359ـ- 406 هـ/ 969- 1015م) فيرى ما يراه كثيرون اليوم ألا وهو أنّ الصّيام يجب أن يكون بالرّوح قبل الجسد، فيقول مخاطباً الخليفة الطّائع العبّاسي:
إذا المرءُ صامَ عن الدّنايا فكلّ شهوره شهر الصيام
ومثله يستنكر أمير الشّعراء أحمد شوقي (1285- 1351هـ/1868- 1932م) الصّوم عن الطّعام فقط ويدعو إلى التّخلّي عن النّميمة والفحشاء، فيقول:
يا مديم الصّوم في الشّهر الكريم صم عن الغيبة يوماً والنّمــيم
ويقول أيضاً:
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى وقبل الصّوم صم عن كلّ فحشا
بدوره، ينتقد الشّاعر معروف الرّصافي (1294- 1364هـ/ 1877- 1945م) الموائد الفخمة التي يعدّها بعض الصّائمين، فيقول:
ولو أنّي استطعت صيام دهري لصمت فكان ديدني الصّيام
ولكنّي لا أصوم صيام قوم تكاثر في فطورهم الطّعام
إذا رمضان جاءهم أعدّوا مطاعم ليس يدركها انهضام
وقالوا يا نهار لئن تجعنا فإنّ الليل منك لنا انتقام
أمّا الشّاعر بدر شاكر السّيّاب (1926- 1964م) فيستغل مناسبة ليلة القدر ويستنصر الأمّة ويحثّها على الانتفاض على واقع الذّل، فيقول:
يا ليلةً تفضلُ الأَعوام والحقبا هَيَّجت للقَلبِ ذكرى فَاغتدى لهبا
وكيف لا يغتدي ناراً تطيحُ بهِ قلبٌ يرى هرم الإسلام مُنقلبا
يا ليلةَ القدر يا ظلاًّ نلوذ بهِ إنْ مسَّنَا جاحمُ الرَّمضاء مُلتهبا
إلى قوله:
تنزَّلُ الرُّوحُ رفاقاً بأجنحةٍ بيضٍ على الكون أَرخاهنّ أو سحبا
عطْف الأُمومة في عينيه متَّقدٌ وإن يكنْ للتُقاة المحسنيَن أبا
وللملائك تسبيحٌ وزغردةٌ تكاد رنَّاتها أن تذْهل الشُّهبا
ويتوجّه بعض الشّعراء بقصيدهم عن شهر الصّيام للأطفال، مقدّمين معلومة وفكرةً مبسّطة بعيدة عن التّعقيد، فنقرأ للشّاعر قحطان بيرقدار قصيدةً تصلح لأن تغنّى ويسهل على الطّفل حفظها، يقول:
خلف الغيمةِ لاحَ النُّورْ فاحتْ في الأجواءِ عُطورْ
وتدفّقَ في الكونِ سرورْ هـلَّ هلالكَ يارمضانْ!
مـن شرقِ الأرض إلى الغرْبِ روحي تتألّقُ بالحبِّ
فغَداً سأصُومُ، وفي قلبي تَسْطَعُ أنوارُ الإيمانْ
وأمدُّ يديْ للإنسانِ أُكثِرُ منْ فعلِ الإحسانِ
أصْفَحُ عَمّنْ قد آذاني لن أخْسر أبداً رمضانْ
رمضانُ أتَى بالخَيراتْ بالرَّحماتِ وبالبركاتْ
ستَزِيدُ تَزِيدُ الحَسَناتْ إنْ أخْلَصْنا للرَّحمَنْ
نجوى صليبه