ثقافة

أسئلة النهضة

أحمد علي هلال

حسناً فعل القائمون على ملتقى الأربعاء الثقافية والتي تتم بإشراف وزارة الثقافة، اختيار عنوان من العناوين الأكثر دلالة في تأريخ ومسيرة أحد أعلام النهضة والتنوير، ألا وهو عبد الرحمن الكواكبي، صاحب (طبائع الاستبداد وأم القرى) وغيرها.

ففي الندوة التي أدارها د.إسماعيل مروة، وحاضر فيها الأستاذان الناقدان د. راتب سكر، د.عبد الكريم حسين، وقوفاً عما تستدعيه أسئلة النهضة وخطابها فيما دونه -الكواكبي- وفيما جرى اشتقاقه من مسيرته الصاخبة والمترعة بإشكاليات الاستبداد وفهمه في السياق التاريخي والفلسفي، فضلاً عن الاجتماعي والعقدي، لتضعنا أمام أسئلة النهضة بالمعنى المعرفي، لا التاريخي فحسب بسياقاته وحقوله الدلالية، التي توزعت على غير معنى في الاستبداد وفصوله، أي بتحرير العقل والبصيرة، اللتان وسمتا سلوك عبد الرحمن الكواكبي فيما أنجزه وفيما أسسه الأشبه بالعقد الاجتماعي، نظيراً لما أسسه جان جاك روسو، ولعل الكواكبي هنا من تمثل عصره بحق، وجهر بمرجعياته الفكرية والسياسية التي ألّبت عليه خصومه الترك لينتهي مسموماً في مصر، وهذا ما هو قار فيما أجمع عليه الباحثون والدارسون، لكن مأثرة الكواكبي شأنه شأن أعلام النهضة السوريون والعرب والذين ينبغي إعادة تأصيل سيرتهم ومسيرتهم في ضوء تحديات الحاضر، هي في رؤيته وفي فلسفته ارتباطاً بأسئلة النهضة وجدليات التأخر والتقدم والمفاضلة فيما بينها، فضلاً عن استبداد الجهل، والشرق والغرب والأمة والفرد، هي الأسئلة المتصلة المنفصلة والمحايثة للواقع وعلى نحو أكثر وضوحاً في أسئلة الثقافة والهوية والوجود، وماهية الإنسان المستنير والمخترق لأسئلة المضمرات النسقية، وكيف نذهب لثقافتنا وفكرنا العربيين على مستوى تاريخية هذه الثقافة ومعطيات تحديثها، أي بتعدد زوايا النظر والاستشراف، وبذلك نمنح شخصية فاعلة كالكواكبي قراءة مختلفة ومغايرة، باستيعاب الشرط التاريخي الذي أنتجها، فضلاً عن الشرط الإنساني وسوى ذلك.

إن استعادة أسئلة النهضة في فكرنا العربي، هي استعادة لأسئلة الماضي والحاضر والمستقبل في جدليتهما الأثيرة، فالأمر ليس محض استدعاء شخصية ما بعينها بقدر ما ينطوي ذلك الاستدعاء للأسئلة ذاتها بثوابتها ومتغيراتها، وبرؤية أن المتغير هو ثابتها الوحيد، وصولاً لاستراتيجيات خطاب الكواكبي، على مستوى إنتاجه لغير لحظة معرفية وأخلاقية تحيلنا قراءته بالمعنى الحداثي انفتاحاً على سياقاته الدالة، ومقاربة ذلك الإنتاج الفكري بأدوات جديدة تنصف الكواكبي بوصفه علماً نهضوياً مؤسساً لتفكير علمي طليق، ولمنهجية فكرية حاسمة. ذلك أن النهضة بأسئلتها المستمرة هي أسئلة الحاضر والثقافة والفكر، تأصيلاً وتأسيساً ستُعنى بالهوية وبالوجود، دونما قسر لهذه الهوية واختزالاً لهذا الوجود، لأن النهضة هي ماهية أكثر منها توصيفاً يقارب حاضرنا ويجترح له أسئلة التجاوز على غير مستوى، بمعنى الخصوصية السورية وفرادتها، وفي العودة إليهما تُنتج المعرفة بلاغة خطابها.

فمن استبداد الجهل إلى الإرهاب والتكفير، تلك هي الأسئلة الجديدة التي تحتاج إلى تأصيل معرفي يحيلنا إلى الخلاص والخروج إلى النور.