ثقافة

تأبين الفنان رفيق سبيعي.. الابن البار لسورية

رغم مرور أربعين يوما على رحيله كان التأثر كبيراً على وجوه وقلوب محبي فنان الشعب رفيق سبيعي، وقد احتشد عدد كبير ممن عرفه عن قرب، وممن عرفه كدمشقي أصيل لم يتخل عن دوره كفنان حقيقي حتى آخر لحظة من حياته في الندوة التكريمية التي أقامها المركز الثقافي “أبو رمانة” مؤخراً له، والتي كانت فرصة للحديث عنه وإن كانت الكلمات بالنسبة  للمشاركين فيها عاجزة عن اختصار مسيرته الطويلة في الحياة والفن، ولذلك كان من الطبيعي لابنه سيف الدين سبيعي أن يعترف بارتباكه وعدم قدرته على قول ما يمكن قوله في مثل هذه المناسبات حول شخص كالفنان رفيق سبيعي الذي شيعه أهل الشام بما يليق به والذي لم يكن أباً له وحده بل كان كذلك لجميع أبناء الشام الذين حزنوا لرحيله عنهم.

أكبر من الوصف

أما الكاتب الإذاعي أحمد السيد الذي كان ملازماً للراحل في سنواته الأخيرة من خلال عدد من البرامج الإذاعية فقد بيّن أننا برحيل سبيعي نفتقد قامة كبيرة بيننا وهو فنان الشعب وابن البلد الأصيل، لكن طيفه مازال يحلق في فضاءات حياتنا، وأكد أن الحديث عن الراحل بكلمات لا تفيه حقه، لأنه أكبر من الوصف وله تاريخ لا يمكن اختصاره بكلمات، وهو الذي كان بالنسبة له الأب والأخ والصديق والمعلم، الذي كان يحمل في ذاكرته تاريخاً من الذكريات والبدايات الفنية كأحد المؤسسين للدراما، والذين دفعوا أثماناً باهظة في سبيل أن يستمروا في طريق الفن، وقد توقف السيد عند بعض المنعطفات في هذا التاريخ، فأشار إلى أنه بدأ العمل عام 1951 كملقن مع الراحل سعد الدين بقدونس فمطرباً مع فرقة علي العريس الاستعراضية، ومن ثم عمله مع الراحل عبد اللطيف فتحي كملقن أيضا، ومن ثم كممثل في فرقته وفرقة المسرح الحر الذي كان هو أحد مؤسسيها.

وأوضح السيد أنه ومع تأسيس وزارة الثقافة في سورية والمسرح القومي انتسب الراحل إليه بترشيح من الراحل حكمت محسن الذي آمن بموهبته ليختاره المخرج هاني صنوبر فيما بعد بطلاً لمسرحيته “أبطال بلدنا”، وقد كان هذا الدور نقطة مضيئة في حياته الفنية وسبب انطلاقته في مجال الفن الراقي، ليتقدم بعد ذلك لمسابقة في إذاعة دمشق وقد نجح فيها، فأرسل في بعثة اطلاعية إلى القاهرة التي درس فيها الإخراج الإذاعي، ليسند إليه صنوبر مرة ثانية بطولة مسرحية “الأشباح” ومن ثم المخرج أسعد فضة الذي أسند إليه دوراً معقداً في مسرحية “الأخوة كرامازوف” لتتتالى بعد ذلك أعمال أخرى، ويعود بعدها للعمل في الإذاعة والتلفزيون الذي التقى فيه بدريد ونهاد.

وعن تجربة السيد معه في الإذاعة التي اخلص لها الراحل بيّن أنه استطاع الدخول إلى أعماقه ويعرف ما الذي يعجبه، فكان برنامجهما الشهير ” قعود لنتفاهم” الذي تحدث فيه الراحل عن أوجاع البلد عبر 800 حلقة قالا فيها كل صغيرة وكبيرة تهم الوطن في فترة الحرب، وظل رغم مرضه في الآونة الأخيرة مصراً على متابعة عمله في إذاعة دمشق، وعلى تسجيل حلقات “قعود لنتفاهم” حتى لا يتوقف هذا البرنامج، وقد كان أشد ما يحزنه رؤيته لشباب وهم يهدرون وقتهم وصحتهم بلعب الورق والأركيلة في المقاهي، في حين أن شباباً يعيشون على جبهات القتال منذ سنوات، من هنا أكد السيد أن الراحل لم  يكن مجرد اسم في فضائنا الفني، بل كان علماً ورمزاً، وهو رغم قامته الكبيرة كان في منتهى التواضع، لذلك لم تكن تجربته مع الراحل والتي امتدت لنحو 20 عاماً بالعادية، ولهذا اعتبر نفسه خاسراً لشخص كان بالنسبة له الأب والأخ والصديق والمعلم وما زالت كلماته حين قال له: “أنا روحي معلقة بالشام وما بتركها لو على دمي، ودوماً بدعي انو روحي تروح بالشام حتى يلفني ترابها” تتردد في قلبه وروحه.

حكواتي الفن

ولأنه لا يحق لأحد أن يتحدث عن الفن في سورية كان رفيق سبيعي وبحق كما أشار المخرج الإذاعي حسن حناوي حكواتي الفن، وهو اسم أحد البرامج المهمة التي قدمها سبيعي، وأوضح أن علاقته في البداية مع سبيعي كانت علاقة أستاذ بتلميذ وسرعان ما أصبحت علاقة صداقة، ويفتخر بأنه عمل معه كمخرج مساعد وهو القامة الفنية الكبيرة الذي كان من أوائل المخرجين الإذاعيين، وأشار إلى أن برنامج “قعود” لنتفاهم” جمعهما بشكل مطوّل وقد استمر حتى قبل يوم من وفاته، بعد أن أصر الراحل رغم مرضه الشديد على القدوم إلى الإذاعة وهو على العكاز، فبقي كالأشجار واقفاً متحدياً الظروف والصعاب، انطلاقاً من إيمانه بتقديم رسالته الفنية خاصة في زمن الحرب، فوقف كالمارد وبكل ما يمتلك من أدوات ليقول أنا ابن هذا الوطن.. أنا مع بلدي، وقد كان مؤمناً أن الفنان صانع رأي ووعي وقدوة، وهو بذلك لم يتخل عن دوره، لتكون حلقات برنامج “قعود لنتفاهم” وثيقة هامة لكل مراحل الحرب على سورية، وبهذا كان سبيعي شاهداً على العصر، ونوه حناوي  إلى أن سبيعي كان لديه مشروع غنائي مهم يحاكي الأزمة وأبناء الوطن، ولو قدّر له أن يرى النور لكان صرخة في عالم الكلمة والغناء والتلحين، وأكد أن سبيعي لن يغيب إلا جسداً ولن يمحى من ذاكرة الناس، وستبقى روحه ترفرف على الشام  التي أحبها.

الأب والأخ

وتحدثت الفنانة هدى شعراوي عن مسيرتها الفنية الطويلة الذي كان الراحل رفيق سبيعي قاسماً مشتركاً لمعظم الأعمال التي قدمتها، وأشارت إلى فيلم “نساء في الشتاء” الذي أنتجه الراحل من بين الأعمال الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية لهما، وبينت أنه كان الأخ والأب والشقيق والصديق الصدوق، فكانت ترتاح للعمل معه كما كان يرتاح هو للعمل معها، وأكدت أنه كان فنان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

الفنان الكبير

كما أوضح  الفنان عارف الطويل أنه وبعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1986، وقف ولأول مرة أمام الكاميرا في مشهد كان يضم ثلاثة عمالقة هم: خالد تاجا، منى واصف والراحل رفيق سبيعي، وأكد أن هذا المشهد لا ينساه، وأشار إلى سبيعي الأب الذي كان يتعامل مع الجميع من منطلق الأبوة، وأن الكلمات تعجز عن وصف هذا الفنان الكبير الذي كان أحد المؤسسين للدراما السورية، وأبدى كل الاحترام والإجلال لمواقفه الوطنية السورية وقد كان الابن البار لسورية.

وقد طالب حناوي والحضور  بتشكيل لجنة لجمع تراث وأعمال سبيعي لتصدر ضمن كتاب عنه.

أمينة عباس