الأعمال التراثية انتماء وحفظ للموروث الشعبي من الاندثار
طرطوس- رشا سليمان
تعتبر المهن اليدوية والحرف التراثية جزء هام من التاريخ والحضارة السورية واستمرارية إنتاجه على أيدي الأحفاد المحافظين عليه من الاندثار المساهمين في نقله إلى التاريخ المعاصر لتبقى هذه المنتجات شاهداً حياً على أن بداية الحضارة وتطور الحرف والصناعات وانطلاقة الإنسان في الإبداع والابتكار بدأت من سورية فهي المهد لنشأتها وقد أثبت الباحثون بأنها المدينة المأهولة الأكثر قدماً في العالم ومن الطبيعي أن يتم الحفاظ على هذا الإرث الذي يثبت ما قام به الأجداد لتطوير حياتهم بما يتلائم مع انتقالهم من عصر لآخر، من هنا أتى عشق وشغف الباحثة في التراث جمانة حرفوش ابنة قرية المقرمدة في ريف القدموس بهذا الموضوع وبدأ اهتمامها بالتراث منذ طفولتها تعلقت بالعادات والتقاليد القديمة وعشقت حياتها القديمة مع أهلها كل ذلك جعلها تبحث عن طريقة لتخليد هذه التقاليد والموروث الشعبي والتراثي الذي عاشته، فعملت على تكوين متحف تراثي في قريتها جمعت فيه الأدوات التراثية القديمة وكل ما يختص بالحياة الماضية لتغني الذاكرة بالمورث الشعبي الأصيل تقول حرفوش “إن الأعمال التراثية تجعل الإنسان يشعر بالانتماء لبلده، والمحافظة على التراث واستمرار يته هو وفاء لأهلنا وأجدادنا القدماء، والإنسان الذي ليس له ماض ليس له حاضر”.
وتبدي حرفوش اهتماماً كبيراً بهذا المجال وكل ما يتعلق بالتراث سواء المادي والمعنوي فهي أقامت العديد من الندوات والمحاضرات للحديث عن التراث اللامادي أي العادات والتقاليد الموروثة والتي أعطت عنها أمثلة من الأعراس الشعبية والتعاون قديماً على الحياة وعادات المبادلة في الإنتاج كل ذلك كان يسهل أمور الحياة وهي عادات لا تبطل مع الزمن وإنما تقوي أواصر المحبة والألفة بين الناس سواء في القرية الواحدة أو في أحياء المدينة، وعن التراث المادي قالت حرفوش “منذ كنت طفلة بدأ اهتمامي بهذه الأشياء وبدأت بتجميع الأشياء التراثية التي كان يستخدمها أهلي قديماً من أدوات الفلاح مثل الصمد والنورج، والعديد من الأدوات الخشبية من أقداح وقصعات للطحين والغاروف، بالإضافة إلى العديد من الأعمال من أعواد الريحان من قفف وقفاص القريشة وأدوات العروس القلاتة والجونية بالإضافة إلى أدوات المنامة (العرزال وسرير الأطفال المصنوع من الخشب، وعدد من الفخاريات مثل الغضارية والجرة والخضة والخابة، وجميع أنواع اللباس الشعبي القديم والعديد من الأعمال التراثية الكثيرة، وأضافت حرفوش أنها تسعى إلى تجميع المزيد من هذه القطع التراثية القديمة إما بشرائها أو صنعها باليد لتشكل مخزون تراثي استمرارا لحضارة الأجداد والتذكير بالماضي العريق.
وتختص حرفوش التي تمتهن التدريس بحرفة الكروشية وصناعة الملابس الصوفية وأعمال الكنفا التي تعلمتها هي وأخواتها منذ القديم باستخدام الستارة والخيوط الصوفية مشكلة العديد من الأعمال اليدوية واللوحات الجميلة ولكن مع مضي السنوات بات اهتمامها كبيراً بتجميع الأعمال التراثية وحفظها في متحفها.
في حين تبرع الحرفية نظمية اسماعيل بالعديد من الأعمال اليدوية من خياطة وكروشية والخيزران والرسم على الزجاج واللوحات المصنوعة من شرانق الحرير إضافة إلى أطباق القش، وعملت مؤخراً في صناعة الأواني الفخارية بعد تعلمها من سيدة كبيرة في السن من قرية دوير المشايخ في ريف طرطوس المشهورة بهذه الصناعات.
وتصنع اسماعيل مقالي الفخار بحرفية حيث تقوم بتحضير العجينة من خلط التراب الأحمر والحجر الناري والماء حتى تحصل على عجينة متجانسة تقوم بتحقيقها ووضعها بآلة تدعى “الدولاب” والتي تصمم من خلاله الشكل الذي تريده ولد ذلك تعرض المقلي المشكل لدرجة حرارة عالية من خلال وضعها بأفران خاصة بعملية تسمى “السوي” ثم تطليه بالزيت وتعرضه للنار حتى يكسب لونه الأسود المعروف به مقلي الفخار ويحتاج أسبوع حتى يمكن استخدامه..
وتلاقي اسماعيل صعوبة في إيجاد المواد الأولية إضافة إلى أن بعض هذه المواد الأولية أصبحت مكلفة مما يؤثر سلباً على ترويجها بسبب الأوضاع المعيشية الحالية وبسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحصار الجائر من الدول المعادية.
وتسعى اسماعيل لتعليم هذه الحرف للجيل الناشئ من خلال إقامة دورات تدريبية على هذه الحرف للراغبين فهي ضمن تعمل مع برنامج فريق مهارات الحياة وجمعية إحياء التراث وهناك أعداد لا بأس بها أصبحت متقنة لعدد من هذه الحرف وهذا الأمر سيساهم لاحقاً في عدم اندثارها خاصة وأن الأعمال التراثية هي الهوية الثقافية التي تميز أي بلد ويجب الحفاظ عليها وتنميتها لتبقى مستمرة من جيل لآخر.