مجلة البعث الأسبوعية

بعد غياب طويل عن الدراما.. هاني السعدي يعود في رمضان كاتباً لذئاب الليل

البعث الأسبوعية-أمينة عباس

من أوائل الكتّاب الدراميين في سورية ومن أهم كتّاب الدراما في الوطن العربي، قدم سلسلة من الأعمال الهامة التي يعدّ بعضها علامة فارقة في مسيرة الدراما السورية تنوعت في مضامينها وأشكالها؛ لتكشف عن كاتب محترف بامتياز غيّبه المرض في السنوات الأخيرة عن الساحة الدرامية.

عودة من خلال ” فرسان الظلام”

غابت نصوصه منذ سنوات طويلة عن الدراما السورية وهو الذيكان من أكثر كتّاب الدراما السوريّة غزارة وجماهيريّةً، وقد شكل مع المخرج نجدت أنزور شراكة قدمت للدراما السورية شكلاً جديداً منالفانتازيا التاريخية التي غابتعن شاشاتنا بغياب هذه الشراكة، واليوم تشهد الدراما السوريّة عودة لهذه الأعمال عبر نصّ له يحمل اسم ذئاب الليل والذي سيقدم بعد  شهر رمضان بعد أن دام غياب السعدي أكثر من 12 عاماً عن كتابة الأعمال الدرامية، والعمل تولى إخراجه المخرج سامي الجنادي،وتشكّل قصص الحب فيه محركاً لأحداثه وهي تدور في مدينة محاصرة بالشر والطمع.

بدأ ممثلاً.. توهج كاتباً

بدأ هاني السعدي ممثلاً،وقد شارك بعدد كبير من المسلسلات بأدوار أساسية على الرغم من أنهواية الكتابة كانت لديه منذ الصغر، حيثُ كان يكتب الروايات والقصص والشعر والأغاني.. وبفضل متابعته للسينما المصريّة؛ كتب فيلماً يتيماً بعنوان “ليل الرجال” 1978 من بطولة فريد شوقي، ثم كتب للإذاعة.وفي عام 1985بدأ الكتابة التلفزيونية بعد أن تعلم كثيراًمن السيناريوهات التي كان يمثّلها، ويذكر في حوار أجريته معه عام 2006 أنأصدقاءً له من المخرجين أكّدوا له أنه مشروع كاتب أكثر من ممثل ونصحوه بالتفرغ للكتابة؛ فتنحّى جانباً واكتفى بلعب بعض الأدوار الصغيرة، مبيناً أن الكتابة أغرته أكثر؛ لأنه سيكون سيد نفسه فيها، وأن ما ساعده في كتابة السيناريو بشكل جيد هي السنوات الطويلة التي أمضاها في التمثيل، وأن حرفيته العالية في الكتابة جاءت من الممارسة الدائمةوالقراءة الكثيرة، ومشاهدته للسينما الغربية والمسلسلات المصرية.. فمن خلال هذه المشاهدات أصبح لديه قدرة على التمييز بين الجيد والجيد جداً.

الفانتازيا

على الرغم من  تجربته  الغنية مع نجدة أنزور في أعمال الفانتازيا التاريخية_والتي بلغت ستة أعمال_؛ يعترف السعدي أن الفانتازيا في الكتابة لم تكن هواه، وقد أُجبِرعلى الدخول إلى عالمها عندما طلب منه الفنان الراحل عدنان بركات كتابة مسلسل بدوي، وعندما أخبره بأنه لا يجيد اللهجة البدوية طلب منه أن يكتب العمل بالفصحى ومن ثم يتم تحويله إلى اللهجة البدوية، فكتب مسلسل “غضب الصحراء” وكان رأي المخرج أن يبقى بالفصحى، ومن ثم كتب “البركان”، وحين كتب مسلسل “الجوارح” و”الكواسر” كان من المفترض أن يُنَفَّذا كما نُفّذ مسلسلا “غضب الصحراء” و”البركان”، وأحداثهما عبارة عن سيرة ذاتية شعبية وحكايات بدوية قام بكتابتها السعدي باللغة العربية الفصحى المتخيلة، ودون تحديد زمان ومكان فيهما ولكنها قابلة للتصديق بشخوصها وأحداثها، ولكن عندما تصدّى نجدة أنزور لـمسلسل الجوارح كانت له رؤية خاصة للنص حيثُ لجأ إلى التغريب في هذا العمل؛ للخروج عمّا اعتاد عليه المُشاهد في الأعمال السابقة.. ولأن نجدة أنزور يتمتع بعين ذهبية راصدة للكوادر الفنية _برأيه_؛ لم يتخوّف من تلك الرؤيةوتحمّس لخوض هذه التجربة، مبيناً السعدي أن تقديم نجدة أنزور لما هو غريب ساهم في نجاح العمل؛ لأن الجمهور شاهد عملاً جديداً على صعيد الشكل الفني، مع إشارته إلى أن فكرة الأجزاء لم تكن مطروحة بالنسبة له عندما كتب نص الجوارح قبل ذلك وقد كانت كل أعماله بنهايات مفتوحة بالأصل، ولكن بعد نجاح العمل طُلِبَت منه كتابة جزء ثانٍ فكان مسلسلا “الكواسر” و”البواسل”، وهو لا يعتبرها أجزاءً وإنما أعمالاً قائمة بحد ذاتها؛ لأنها تقدم  قصصاً مختلفة وحكايات خاصة وشخصيات جديدة،ويوضح السعدي أنه يحب الحكايات التي يقدّمها في نصوصه دون تحديد للزمان والمكان فيها، وقد أحبّ الجمهور هذه الحكايات التي برع فيها لأنه كان يعرف كيف كانت القبائل تعيش، فكان ينسج الحكاية من خياله ويُقدّم إعادة قراءة للشخوص الموجودة عبر التاريخ في النهاية حكاية قابلة للتصديق،وبالتالي لم يكتب فانتازيا بعيدة عن التصديق وكان يرى أنه وحتى الأعمال الاجتماعية تنتمي بشكل أو بآخر إلى الفانتازيا؛ لأنها _وفي النهاية_ أعمال متخيلة وليست بالواقعية 100%.

من الفانتازيا إلى الأعمال الاجتماعية

بعد كتابته سلسلة من أعمال الفانتازيا،  كان  السعدي قد قرر التوقف عن كتابتها والعودة إلى الأعمال الاجتماعية الأخرى،واعترف في إحدى حواراته التليفزيونية بأن النجاح الكبير لمسلسل الفصول الأربعة هو الذي أغراه بالعودة إلى الأعمال الاجتماعية والحديث عن قضايا المجتمع وما يدور في الشارع والمدارس وحول حياة المراهقين، فقدّم “أبناء القهر”، “حاجز الصمت”و”عصر الجنون”، وقُوبلت هذه الأعمال الجريئة بالنجاح الكبير؛ لأنها كانت تتناول ما كان يحدث في زوايا المجتمع العربي حيث تطرّق فيها إلى موضوعات كان الكتاب الآخرون يخشون الاقتراب منها كالإيدز والمخدرات والدعارة وتسليط الضوء عليها لتنبيه الجيل الشاب منها، فيذكر أنه عندما كتب مسلسل “أبناء القهر” و”حاجز الصمت” أقام في إحدى المصحات التي تُعالج مرضى الإيدز، ومن خلال وجوده هناك عرف كل المعلومات المتعلّقة بهذا المرض، وقد قُدّم هذا العمل في الوقت الذي كان فيه الإعلام لا يدرك خطورة هذا المرض؛ فقدّم رسائل توعية إلى الأسرة لأنها هي الأساس برأيه، لذلك لم تكن لديه مشكلة مع الجهات الرقابية ولم يجد صعوبة في عرضها في جميع المحطات، وقد قبل الجمهور فتشجع لكتابة جزء ثانٍ منه فكان “حاجز الصمت”، ومن ثم قدّم أعمالاً اجتماعية ذاتحبكات بوليسية كـ “خط النهاية” من خلال تقديم حكايات إنسانية مختلفة عن هموم المجتمع العربي، وكذلك مسلسل “خلف القضبان” الذي أحدث خلافاً بينه وبين المخرج الليث حجو بسبب إضافة الأخير للعديد من المَشاهد والشخصيات، وفي مرحلة من المراحل شهد السعدي على أهم تحوّل في الدراما السورية وهو خروج الكاميرا من الاستديو إلى الشارع من خلال مسلسله “دائرة النار”.

الكاتب مظلوم

لم يتردد السعدي في كل حواراته في التأكيد على أن الكتابة مصدر رزق؛وأن الناس يجب أن يحاسبوه على النوع وليس على الكم، وهو يؤمن أن الكتّاب عامّةً يعانون من الظلم أيضاً مع أنهم الأساس في أي عمل فني، وبدون النصلا يكون هناك عمل وبالتالي يفترض أن يكون هناك عدل في إشهار القائمين على العمل، في الوقت الذي تسلط الأضواء دائماً فيه على المخرجين والنجوم،أما الكاتب فغالباً ما يكون مغيّباً، مؤكداً أنه مهما كان المخرج ذكياً فإنه يسيء إلى النص إن لم يستشرالكاتب؛ لأنه الأعلم بتفاصيل نصّه الذي أنجبه على الورق وبالتالي هو الأدرى بكيفية التعامل معه حتى لو تطلّب الأمر في بعض الأحيان الحذف والتعديل والإضافة، لذلك من الخطأ الكبير برأيه أن يحل المخرج مكان الكاتب، مع إشارته إلى أنه لا بد من التأكيد على أن المخرج يجب ألا يتبنى عملاً إلا إذا كان مقتنعاً به وعندها يجب أن ينفذه كما هو، أما إذا كان غير مقتنع به فيجب أن يتحاور مع الكاتب بشأن الإضافات أو الحذوفات أو التعديلات؛ لتبقى الرؤية الإخراجية الإبداعية مهمته الأساسية، وأنه ككاتب لم تكن لديه مشكلة في إجراء أي تعديل وهو الذي تعاون مع كل المخرجين السوريين تقريباً، وأن خلافه الدائم هو مع المخرجين الذي يعطون لأنفسهم حق التدخل دون استشارته. لم يرفض السعدي أن يكونكاتباً تحت الطلب وحدث ذلك معهمرتين.. الأولى حين طلب منه الفنان محمود سعيد شخصية قبطان فكتب حينها مسلسل “بلا أشرعة” الذي لم ير النور، والثانية كانت في مسلسل “صراع على الرمال” حين استدعاه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتحويل قصة كتبها إلى عمل تلفزيوني فكان مسلسل ” صراع على الرمال”. والأمران بالنسبة له سيان؛ سواءً كانت الفكرة له أم كانت فكرة طرحها أحد عليه لأنه في الحالتين سيبقى كاتباً، وبرأيه أنلا مانع من أن يستفيد من فكرة جديدة تُقدَّم له.

نشأة هاني السعدي

وُلِد هاني السعدي في الجامع الذي اختارته عائلته بعد خروجها من فلسطين عندما حدثتْ النكبة، وبعد سنين استقرّت العائلة في مخيم اليرموك، دخل المدرسة وتعلّم في مدارس الأونروا وكان يعمل أثناء الدراسة دهاناً ونجاراً وبائع خضار،وبعد دراسته لأهلية التعليم عمل مدرّساً في وزارة التربية ثمّ في مدارس الأونروا وأثناء ذلك كان يمثل أيضاً، وقد دعاه الفنان دريد لحام إلى لمشاركة في فيلم “الحدود”، وحينها استقال من سلك التعليم للتفرغ للتمثيل وانتسب إلى نقابة الفنانين كممثل.