مكاسب ملوثة بالدماء
عناية ناصر
أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان والمتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس مؤخراً عن آرائهم حول موعد انتهاء الصراع الروسي الأوكراني، حيث قال سوليفان إن “القتال في أوكرانيا قد يستمر لأشهر أو أكثر”، بينما قال بلينكين وبرايس إن الاشتباك يمكن أن يستمر حتى نهاية عام 2022. وهناك دلائل تشير إلى أن هدف واشنطن الحقيقي هو إطالة أمد الحرب، إذ بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، كانت جميع ممارسات واشنطن تقريباً تدفع بالحرب إلى أن تكون طويلة، وبذلت جميع أنواع التعبئة والجهود لتحقيق هذه الغاية.
لقد تمّ استغلال أوكرانيا وتحويلها إلى بيدق، ومع استمرار الصراع الروسي الأوكراني لأكثر من 50 يوماً، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن “إنقاذ أوكرانيا” كان مجرد “تأثير مسرحي” أرادت الولايات المتحدة خلقه ظاهرياً، وكان استغلال الأزمة والاستفادة من الفوضى هو الهدف الحقيقي لواشنطن.
وفي هذا السياق، استضافت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في وقت ليس ببعيد قادة أكبر ثماني شركات لتصنيع الأسلحة الأمريكية لمناقشة إنتاج أسرع للأسلحة، إذ يبدو أن مخزونات هذه الشركات الصناعية العسكرية على وشك زيادة أخرى، فالمجمع الصناعي العسكري الأمريكي هو المستفيد الأكبر والمباشر من إطالة أمد الحرب. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام “نظرية التهديد الروسي” لجذب أوروبا إلى جانبها، والتلاعب بحلف الناتو إلى حدّ أكبر هي “المكاسب الجيوسياسية” الملوثة بالدماء التي تتوقع الولايات المتحدة أن تكسبها من خلال هذه الحرب!.
وبعد فترة وجيزة من اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، أظهر البلدان موقفهما المتمثل في رغبتهما التوصل إلى وقف لإطلاق النار من خلال المحادثات، وانخرطا في عدة جولات من المفاوضات. وخلال الجولة الخامسة، اقتربت روسيا وأوكرانيا من مواقفهما وأصدرتا إشارات إيجابية. ومع ذلك، سرعان ما غيّرت أوكرانيا موقفها بشأن عدة موضوعات مثل ما إذا كانت ستنضمّ إلى الناتو، ووقعت المحادثات في مأزق بحكم الأمر الواقع. ونظراً لأن الأمور لم تتماشَ مع أهواء وغايات واشنطن، فقد تدخلت لتقويض الإجماع وأساس المفاوضات.
لقد بات من الواضح أن السلام في أوكرانيا ليس ضمن أولويات واشنطن، فالإدارة الأمريكية الحالية مهيمنة ومتغطرسة، كما كانت بعد وقت قصير من نهاية الحرب الباردة عندما كانت القطب الوحيد في العالم.
إن رغبة واشنطن الجيوسياسية تتزايد مع استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فقد ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن الولايات المتحدة وحلفاءها بدأوا التخطيط لـ”عالم مختلف تماماً” من وجهة نظرهم، في سعيهم لمحاولة عزل وإضعاف روسيا.
لقد جعل “القلق الأمني” الذي تروّج له الولايات المتحدة دولاً أوروبية محايدة مثل السويد وفنلندا تسعى للانضمام إلى الناتو، وسواء انتهى الأمر بإستراتيجية الولايات المتحدة بالارتداد عليها بقدر “ترويجها للديمقراطية أم لا ، حذّرت روسيا من “عواقب لا يمكن التنبؤ بها” لنية الولايات المتحدة تقسيم العالم.
ويدرك الجميع أن واشنطن تحاول استغلال والاستفادة من الصراع بين روسيا وأوكرانيا من خلال ربطها بالوضع بين الهند والمحيط الهادئ، فمن ناحية، تعمل الولايات المتحدة بشكل استباقي على جعل الناتو يتجه نحو الشرق. ومن ناحية أخرى، تفعل كل ما في وسعها لإحداث مشكلات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد تجسّد ذلك من خلال دعوة الولايات المتحدة وزيري خارجية اليابان وكوريا الجنوبية، لأول مرة، لحضور اجتماعات وزراء خارجية الناتو، وحاولت ضمّ اليابان إلى معاهدة “أوكوس”، وكثفت تلاعبها السياسي بشأن قضية تايوان. في نهاية المطاف يلاحظ أنه من خلال انغماسها في الألعاب الجيوسياسية الخطيرة، أصبحت واشنطن بشكل متزايد أصل الفوضى والحروب.