نظرية الولايات المتحدة الجديدة…. “الكذبة مكانها حين يتم إضفاء الشرعية عليها”
البعث الأسبوعية-هيفاء علي
بات معروفاً للجميع أنه عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا، فإن نظام المعلومات الغربي يصبح غير نمطي، وهو كذلك منذ غزو العراق والحرب على سورية وغزو ليبيا، بعيد كل البعد عن المصداقية بل يعتمد على التضليل والأكاذيب. وبحسب محللين غربيين وأسيويين، غدا البنتاغون والاستخبارات الأمريكية وكالات أنباء حقيقية تقوم بواجبها على أكمل وجه. فهي تقوم بإنتاج معلومات وصياغة التحليلات، ووضع توقعات، وبيانات صحفية، بشكل يومي، ليتم تناولها وتضخيمها من قبل جميع وسائل الإعلام الغربية.
فعلى سبيل المثال، أثارت وسائل الإعلام الغربية ضجة كبيرة قبل عدة أيام حول الاحتفال بيوم النصر في روسيا في 9 أيار الجاري، حيث روجت لفكرة أن الرئيس الروسي سيعلن الحرب ويعلن الأحكام العرفية، ما سيزيد التوتر حول حرب. ثمة مثال آخر، في 10 آيار، أعلنت وكالة المخابرات المركزية، أن الأخبار هي موضوع وسائل الإعلام اليوم، ودائماً في هذه البيانات الصحفية الشهيرة، أن “هناك معلومات تتحدث عن ترحيل 1.2 مليون أوكراني من روسيا”. وفي الوقت نفسه تقول إنه “ليس لديها بيانات ملموسة تؤكد ذلك أو تشير إلى أماكن الترحيل”، على الرغم من ذلك، يتم تقديم “المعلومات” بنبرة إيجابية. وسرعان ما تلتقط جميع وسائل الإعلام في الغرب الإعلان ومن ثم يتحول الافتراض الأولي تدريجياً، على مجموعات متحمسة، إلى حقيقة. فهي، أي وسائل الإعلام، تتحدث أولاً عن “النازحين” ثم بسرعة كبيرة عن “المرحلين”.
من الواضح أنه لا يوجد شك في التفكير في أن اللاجئين البالغ عددهم (600000 وفقاً لروسيا) كان بإمكانهم اختيار روسيا مثلما اختار الآخرون بولندا. حتى أنها لم تكلف نفسها عناء تقديم إجابة على السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان لماذا “تم ترحيلهم”، وما مصلحة روسيا في ترحيلهم؟. بل تعمل على شيطنة روسيا بمحاولة إظهارها بأنها وحش لا يطيع أي قيمة بشرية، ومن ثم تقول إن الترحيل عادة “ستالينية”.
والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي يوم الثلاثاء 10 آيار، أعلن مدير المخابرات الأمريكية، أفريل هينز، أمام مجلس الشيوخ، أن فلاديمير بوتين كان يستعد لصراع طويل، وأنه لم يكن ينوي التوقف في دونباس، وأنه سيفرض الأحكام العرفية، بكل شفافية وكأنه لم يعد هناك “أسرار دفاعية”. وبالتالي، يواجه المرء نوعاً من العمليات حيث يتم تحويل التحليل والتنبؤ والتوقع إلى معلومات محددة والحجة هي أن هذا يمكن أن يحدث، على الرغم من أنه لا يستند إلى أي حقيقة موثقة. وفي اليوم التالي، الأربعاء 11 آيار، أعلنت وسائل الإعلام أنه لدى وكالة المخابرات المركزية “مؤشرات” على “إحباط” الجيش الروسي، مما قد يؤدي إلى إدمان الكحول، وتخريب الجنود لأسلحتهم ودباباتهم، وبالتأكيد سيكون هذا هو موضوع وسائل الإعلام اليوم، وستصبح حقيقة تدريجية، تتكفل وسائل الاعلام بالعمل على تضخيمها.
شفافية
حقيقة الأمر، يواجه العالم ممارسات فظيعة في مجال الاتصال والإعلام ومعلومات جديدة غير مسبوقة طورتها الولايات المتحدة لصالح حرب المعلومات هذه ضد روسيا. في السياق، نشرت قناة ” إن بي سي نيوز” الاخبارية الأمريكية تقريراً أشارت فيه إلى أن إدارة بايدن أصدرت بسرعة معلومات استخباراتية غير موثوقة حول خطط روسيا في أوكرانيا تستند إلى تحليل أكثر من كونها تستند الى أدلة دامغة، إن لم تكن خاطئة تماماً، حول تضليل مستشاري بوتين له، وعن سعي روسيا لتوريد أسلحة من الصين. كما تحدث بايدن علناً عن الأسلحة الكيماوية، لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا لشبكة “إن بي سي” الإخبارية في ذلك الوقت إنه لا يوجد دليل على ذلك، لكن الهدف “كان ردع روسيا” عن استخدام هذه الأسلحة.
هنا نصل الى الكذب المبرر بحسن نية، من أجل القضية الصالحة، وهي بحسب المحللين، طريقة أخرى “لرفع السرية” عن المعلومات المفترض أنها “سرية” وتشغيل “الشفافية” ثم تصبح اللعبة معقدة. وهذا بالضبط ما فعله الرئيس بايدن نفسه مؤخراً عندما كان غاضباً من أن صحيفة “نيويورك تايمز” قد أعلنت حقيقة أن الخدمات الأمريكية كانت تزود الأوكرانيين بمعلومات عن مكان وجود الجنرالات الروس في أوكرانيا، والتي كان من الممكن أن تكون سبب وفاة عشرة منهم. تم نشر التسريب في صحيفة “نيويورك تايمز” وهي أكبر الصحف الأنغلو ساكسونية وأكثرها شهرة. أشارت هذه الصحيفة إلى بيانات الصحفية كيتلين جونستون، و”السي أي إيه” باعتبارها “أخباراً عاجلة” يتم تضخيمها من قبل وسائل الإعلام الغربية الرئيسية. وعندما يتم ينشر التسريبات لا علاقة لذلك بالشجاعة المهنية للصحفيين، ولكن بحقيقة أننا نريد نشر هذه “التسريبات” على الملأ، بحسب الصحيفة. وهكذا فإن أحد الصحفيين “الشجعان” في صحيفة “نيويورك تايمز”، مؤلف هذه “التسريبات” هو كين ديليشن، الذي كشف في عام 2014، وفقاً لـ كيتلين جونستون، أنه كان عميلاً نشطاً لوكالة المخابرات المركزية يعمل في نيويورك تايمز.
الكذب لسبب وجيه
كل هذه المعلومات هي مجرد أكاذيب، لكنها أكاذيب مفترضة، “من أجل الخير”. حيث تستند تصريحات إدارة بايدن الاستخباراتية إلى إنطباع عام أكثر مما تستند على معلومات استخباراتية حقيقية مصممة للتلاعب والتضليل بدلاً من الإعلام. ومنذ غزو العراق وليبيا وأفغانستان، اكتسبت الولايات المتحدة سمعة بأنها كاذبة. وفي محاولة منه لاستعادة مصداقيته، أصر نظام الإعلام الغربي بشدة مؤخراً على أن الأمريكان “كانوا الوحيدين الذين توقعوا الهجوم على أوكرانيا”. ومن خلال الاعتراف بأنها كاذبة، ومن خلال اللعب على الشفافية الكاملة للمعلومات المصنفة على أنها “دفاع سري”، ألا تخشى الحكومة الأمريكية فقدان ثقة مواطنيها؟.
المدهش في هذه التقنيات الجديدة لحرب المعلومات هو أن هذا الخوف غير موجود، حتى أنه قد يجد نفسه في مرحلة يسعى فيها النظام من الناحية النفسية إلى الحصول على موافقة إعجاب الرأي العام الأمريكي لفعالية تقنيات المعلومات الجديدة هذه، والطريقة الرائعة التي يستخدمها القادة الأمريكيون، والتي تبدأ في صنع موافقة الجمهور علانية على الكذب “من أجل مصلحتهم”. وبحسب المحللين الغربيين، فإن النظام الأمريكي يفقد روحه، ويتشكك في نفس القيم التي يقول إنه يناضل من أجلها.
في ثقافة الولايات المتحدة، كان الكذب دائماً أخطر خطأ، لكن اليوم تم إضفاء الشرعية عليه، ما يعتبر انعكاس لأزمة النظام العميقة. باختصار، يحذر المحللون الغربيون من تطور مخيف لعمليات المعلومات والاتصالات، والتي يتم تطوير نظرياتها وطرقها في الولايات المتحدة ويمكن أن تنتشر في جميع أنحاء العالم. وبحسب جوزيف غوبلز، السياسي الألماني في عهد هتلر:” أكذب- أكذب حتى تصدق الكذبة” ولكن اليوم، تبدو هذه النظرية قد عفا عليها الزمن، واستبدلت بنظرية أخرى تقوم على أن الكذبة مكانها حين يتم إضفاء الشرعية عليها.