مجلة البعث الأسبوعية

الكاتب محمد الحفري… مخرجاً للمرة الأولى من خلال “ليلة أخيرة”

البعث الأسبوعية-أمينة عباس

تُعتبر المونودراما من أصعب الفنون المسرحية، والكثيرون يعتبرونها مغامرة لمن يُقدِم عليها، وقد خاض هذه المغامرة مؤخراً الكاتب محمد الحفري مخرجاً لأول مرة بعد أكثر من ٣١ عملاً مطبوعاً و١٧ جائزة حصل عليها، منها جائزة الدولة التشجيعية للآداب عام 2017 والخطوة هذه كانت من خلال مونودراما “ليلة أخيرة” التي قُدمت مؤخراً على خشبة مسرح القباني وكانت ثمرة تعاون بين مديرية المسارح والموسيقا واتحاد الكتاب العرب-جمعية المسرح تحية لروح المسرحي السوري الكبير سعد الله ونوس في ذكرى رحيله.

*أي خصوصية لهذه التجربة بالنسبة لك مؤلفاً ومخرجاً؟

**هي تجربة خاصة جداً بالنسبة لي لأنها المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة المونودراما ليس على صعيد التأليف فحسب إذ لديّ أكثر من عمل مطبوع وإنما على صعيد الإخراج، وأعترف أنها كانت مغامرة وجرأة مني لأن العمل في المونودراما يشبه دخول حقل ألغام لا يدري صانعها في أي لحظة سيحدث الانفجار ويموت أو يفقد طرفاً من أطرافه، والممثل في هذا النوع من المسرح شخصية مركّبة عليه أن يجسد عدة شخصيات وأعتقد أن مغامرتي في الإخراج تشبه مغامرتي في الكتابة، فأنا لا أخاف من شيء وأحب التجريب في كتابات كثيرة، ونتاجي يشهد بذلك.

*المونودراما من أصعب الأنواع المسرحية، فمتى ينجح الكاتب والمخرج المسرحي في خوض هذه التجربة برأيك؟

**الكاتب المسرحي الجيد، أو لِنَقل المقبول هو من يعرف كيف يرصد مكان مسرحه جيداً وزمانه وبطله الذي يجب أن ينقله على الورق من حالة إلى حالة ومن شخصية إلى أخرى ومن بقعة إلى أخرى، أما على صعيد الإخراج فأعتقد أن اختيار الممثل أو من سيأخذ دور البطولة يأتي التفكير به قبل النص لأننا نحتاج في المونودراما إلى ممثل خاص جداً، وأعني بذلك النطق والحركة والقدرة على التلون، وهذا يعني أنه يجب أن يمتلك صفات جسدية خاصة.

*كيف وقع اختيارك على الممثل مدين رحال؟

**التقيتُ بالصديق مدين رحال في مبنى اتحاد الكتاب العرب وعرفتُ أنه شاعر زجلي ولديه رغبة في التمثيل، ووقتها كان مع مجموعة ممن لديهم تجارب كتابية، فقلت له عد في الأسبوع القادم لنجري لك اختباراً واكتشفت أنني أمام محبّ لديه رغبة وطاقة للعمل، فأعطيته النص وعاد في الأسبوع الذي يليه وهو يحفظ النص عن ظهر قلب، وهذا ما أثار دهشتي، فهو ذكي ولمّاح ومطيع، وهذا يناسبني كمخرج دكتاتور يحب تنفيذ وجهة نظره ولا يتخلى عنها، وهذا ما جعلني فيما بعد أتغاضى عن بعض عيوبه والتي لم تظهر حين تعرفت إليه لأنني أحببتُه، فهو يستحق ذلك وعين المحب كليلة، ومن جهة ثانية كان في داخلي رغبة لتحقيق أمنية صديقي رحّال في التمثيل لعلّي بذلك أكون قد فتحتُ أمامه أبواباً أخرى للعمل، وهو الذي يرتقي فيها خشبة المسرح للمرة الأولى في “ليلة أخيرة” وأنا أعول على عروض قادمة نرتقي فيها نحو الأفضل والأجمل، مع اعترافي أن المونودراما مغامرة خطيرة ومتعبة وممتعة في آن، وفقد خفتُ أن يسقط قلبي مني أثناء العرض، لذلك ابتعدتُ عن الخشبة.

*كيف تعاملتَ كمخرج مع النص الذي كتبتَه؟  وأي رؤية إخراجية قدمتَها لنصّك؟ وماذا كانت أولوياتك فيه كمخرج؟

**كان الأمر محرجاً إلى حدّ كبير لأن ليس كل ما يُكتب يمكن قوله على المسرح، وما يكتبه المؤلف هو جزء من قلبه وروحه، وحذفه لأي جملة أو مقطع يشبه إلى حدّ كبير أن يقطع الكاتب من لحمه، ولكن في نهاية المطاف وعلى الرغم من قسوة ذلك كان لا بد ممن ليس منه بد، وأرى أن نجاح العمل قد يعوض عن الألم، وربما لأجل ذلك يُنصح الكتاب بعدم إخراج أعماله تجنباً للألم، لكنني أظن أنني ولدت من الألم، لذلك قسوتُ على نفسي كثيراً، وأنا أحذف ما أراه غير مناسب للخشبة.

*هل شاهدتَ العرض برؤية الكاتب والمخرج أم برؤية المشاهد؟

**لم أستطع أن أشاهد العرض لا بعين الكاتب ولا بعين المخرج ولا حتى بعين المشاهد لأنني كنتُ في حالة غضب شديد، فهناك في العروض المسرحية عموماً أخطاء تُرتكب أو تحدث وتمر ولا يلحظها المشاهد لأنه لا يعرف مكونات العرض أساساً، ومع ذلك رأيتُ انطباع الجمهور وكم مرة توقف الممثل جراء تصفيقه، وهذا يدلّ على وصول العرض إليه، وأنا إنسان عصبي جداً، وغالباً أبقى بعيداً عن العرض في أعمالي حتى لا أفقد أعصابي، فقد يستبد بي الغضب ويأخذني الجنون لإيقاف العرض المسرحي، لذلك عندما كنتُ أشتغل في عروض الأطفال كنتُ أهرب إلى غرفة الكونترول أو الإضاءة لأنني على قناعة أنني قد دربتُ وتعبتُ وبذلتُ الكثير من الجهد، ولكن ما يحدث بعد ذلك أن أقتنع أنه يجب السكوت عن بعض الأخطاء على مضض.

*بين ما كنتَ تطمح اليه من خلال هذا العرض وما شاهدتَه على الخشبة هل هناك فارق كبير؟

**دائماً هناك فوارق بين المأمول وما يمكن تحقيقه على الواقع، ولكن إشعال شمعة واحدة خيرٌ من لعن الظلام، وعلى أي حال أنا سعيد جداً بما تحقق، فقد حضر جمهور نوعي وجميل، وكادت الصالة تمتلئ على الرغم من وجود عرضٍ مسرحي على مسرح الحمراء وسفر الكثير من الأصدقاء إلى محافظاتهم وقد كنتُ سعيداً بمن حضر، وأغلبهم من عشاق الفن والأدب وتربطني بهم علاقة المحبة، وحضور من حضر في هذا الوقت بالذات بالغ الأهمية ولا يُقدّر بثمن.

*للنص الأجنبيّ دوماً الحظوة الكبيرة لدى المخرجين، فما هي الأسباب برأيك؟ وكيف تفسر ابتعادهم عن النص المحليّ؟

**أعتقد أن الاعتماد على النص الأجنبي له عدة أسباب، منها ترفّع واستعلاء بعضهم عن النص المحلي ورغبة بعضهم بنيل صفة مخرج مهم لأنه اشتغل لكاتب عالمي ذائع الصيت دون أن أنكر أن سهولة الحلول الإخراجية للنص العالمي قياساً مع النص المحلي سبب آخر للّجوء إليه، ولا تبرير لمن يأتي بنصوص عالمية لا تمت إلينا بصلة بحجة العالمية والإنسانية.

*على من تعتمد في تقييم أعمالك؟ على رأي الجمهور أو على رأي النقاد؟

**أعتمد على رأي الجمهور أولاً، ومن ثم الناقد مع كل التقدير له، وهذا ما أفعله عندما أكتب قصة للأطفال، حيث أجمع عدداً منهم وأقرأ ما كتبتُه لهم وأسألهم بعد ذلك هل أحببتم هذا العمل؟ وهذا السؤال أوجهه للجمهور لأن الحب هو بطاقة عبور العمل إلى ضفة الأمان، وأقول لنفسي دائماً وعلى الأصعدة كافة أن هذا العمل لا زال بحاجة إلى شغل أفضل، ولا أنظر بعين الرضى لأي عمل لأنني أطمح إلى تحقيق الأفضل، ولن يكون ذلك بالقبول بالسهل بل بالسعي والاشتغال الدائم على المنتَج الأدبي والفني.

*ماذا عن موضوع “ليلة أخيرة”؟

**تتحدث المسرحية في ثيمتها الأساسية عن بائع كتب مستعملة يهرب إلى بيته خوفاً من الحرب، وهناك يبدأ بسرد حكايتِه لزوجته المتمثلة في المنكان، وأثناء ذلك يسترجع حكاياته مع زوجاته اللواتي طلبن الطلاق منه، فهو من وجهة نظره الخاصة رجل قادر على الإنجاب بينما الحقيقة أنه رجل عقيم ولا يمكن أن ينجب، كما يعرض حكايات أخرى عن الفقر والتعب، ونجد في شخصيته الإنسان الطيب والحنون، كما نجد اللؤم  والشر، والبخل أحياناً، وهو بذلك يمثل التناقضات التي تصطرع بها النفس البشرية ونجده يتراجع عن قتلِ زوجته في نهاية العرض عندما يتجدد صوت القصف وتلك من رسائل العرض الهامة لأننا في النهاية معرضون لتلك الهجمة الشرسة التي تشن على بلادنا وأن الموت والتهجير والخوف يستهدفنا جميعاً، كما أن العرض يريد شرح حياة ذلك البطل بالذات والذي يهجس ويحلم أن يكون لديه طفل.

*ماذا عن أهمية التعاون القائم من خلال “ليلة أخيرة” بين اتحاد  الكتّاب العرب ومديرية المسارح والموسيقا؟

**هذه هي المرة الثانية التي يقدم فيها اتحاد الكتاب العرب ومنذ تأسيسه عرضاً مسرحياً، وهذه الخطوة تأتي برعاية من د.محمد الحوراني رئيس الاتحاد لتفعيل دور المسرح لما له من دور في الحياة، وكان رأي قيادة الاتحاد أن “ليلة أخيرة” تحية لروح الراحل سعد الله ونوس المسرحي السوري الذى رفع اسم بلاده في الكثير من المحافل الدولية وذلك من خلال المونودراما وهي من أصعب أنواع الفنون التي تقدَّم على المسرح باعتماده على الممثل الواحد.