كنز فلكلوري في محل كأنه متحف صغير
البعث الأسبوعية-غالية خوجة
لم أتوقع وأنا أعبر السليمانية من شارع نادي اليرموك المتقاطع مع شارع العزيزية أن ألتقي بسيدة ما زالت ممسكة بحرفة الحياكة اليدوية التراثية منذ 32 سنة في هذا المتجر الصغير الذي يقصده من يعرفه ليشتري ما يلزمه من مفارش للأسرّة والطاولات والكراسي ومكرميات النباتات والثياب المشغولة بأدوات خاصة مثل المخرز والسيخ والإبرة، إضافة إلى التطريزات الفنية بخيوط جميلة منها “الكانفا”، والزخرفة وكذلكاللوحات الفنية المرسومة بألوان زيتية.
المحل الذي يستقبلنا بدرج إلى داخله، يبدو مثل مغارة ملونة وبارقة في كهف أثري، وما إن نتفحص معروضاته حتى نشعر وكأننا في متحف صغير لا تؤثر في ملامحه الظروف والأزمنة، بل يؤثر فيها وهو يعرض هذه المشغولات اليدوية وهي تحكي عن جورجيت شهوان السيدة السبعينية، وكيف تهتم بهذه الأعمال المتفردة، وتعلّم الراغبات، وتبيع مشغولات يدوية لنساء وعائلات أخرى، وبذلك، تكون قد عكست من خلال مشروعها الصغير ذاكرة لا تصمت عن مسرودات الصبر والألم والفرح، لتفاجئنا بأنها كانت مدرّسة في ثانوية التجارة، كما درّست في جامعة حلب-كلية الاقتصاد.
وتابعت: هوايتي منذ الصغر الأشغال اليدوية والرسم والفنون، وأهتم بالتراث وذاكرته الجمالية، وأضافت ضاحكة: ومستمرة في عصر التكنولوجيا.
وأشارت بيدها بشكل دائري إلى الموجودات قائلة: في محلي “ماما نور”، لا توجد قطعة تشبه الأخرى.
واسترسلت: في الحرب، فتحت المحل وكنت أساعد عائلات كثيرة، أعطيهم المواد الأولية من خامات وأدوات، ومنهم من علمتهم، وكان هناك تطوع وقت الحرب، وواصلنا عملنا وتحدينا ظروف الحياة، وما زلنا، ولغاية الآن، هناك من يأتي ليتعلم.
وبحسرة، قالت: لا أعرف لماذا هذا الجيل الشاب لا يريد أن يتعلم هذه المهنة التراثية الفنية، وأتمنى لو أن هذا الجيل يبتعد قليلاً عن أجهزة التكنولوجيا الحديثة والعالم الافتراضي ووسائل التواصل ليخصص وقتاً لتراثنا العريق.
وأكدت: لقد تعبت حالياً، وأسعى لتصفية المحل الذي يشكّل لي عالماً من الحنين والفن، ولي ذكريات مع بناتي اللواتي تمتعن بمواهب مختلفة منها الرسم والنحت.
ولفتت نظري وأنا أحاورها: ليتنا نتعامل في حلب وسورية بالفصحى، لأنها تراثنا وجذورنا وهويتنا وانتماؤنا، والعربية هي الأسهل للتعبير لدى الجميع، وأكثر تفاهماً وتعاوناً ووضوحاً.