انخفاض سعر الفروج لم يعده إلى الموائد.. وغياب دراسات الاقتصاد الزراعي يخلخل ميزان العرض والطلب..!
مرة أخرى عادت أخبار أسعار الفروج لتتصدّر وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، فبين ارتفاع وانخفاض سعره يصبح الشغل الشاغل للجهات المسؤولة لتبرير هذا التحوّل السعري الوهمي الذي لا يُسمن المواطن الغلبان ولا يُغنيه من جوع، إذ لم تعد حالة الشحّ متوقفة على تأمين اللحوم التي فقدتها موائد معظم السوريين ممن تركوا الجدال بهذه الثورة الرقمية لأهلها من مربين ولجانهم وجهاتهم المسؤولة، والتي بدورها أخذت على عاتقها إنصافهم وإعادة السعر لما كان عليه ضاربين بعرض الحائط خسارة المستهلك، خاصّة وأن خسارة المربين والتّجار ومحاباتهم باتت اليوم من أولويات الجهات الراعية لهم!.
تبريرات وهمية
وبين الـ 6000 والـ 7000 ليرة لسعر الكيلو تضاربت التصريحات خلال الأيام الماضية الموضّحة حجم خسارة المربين جرّاء هذا الانخفاض الوهمي الذي لم يتقيّد به أحد من الباعة، وبالتالي لم يكن اللحم الأبيض الغذاء الرسمي والراعي الأساسي للموائد الأسبوع الفائت، إلاّ أن أصوات المربين على ما يبدو تعالت خوفاً من انخفاض حقيقي يوقعهم بخسائر محتّمة، ولاسيّما أن الصفعات التي وُجّهت لهم خلال فصل الشتاء من ارتفاع لأسعار العلف وموجات صقيع قضت على أفواج بأكملها في مداجنهم، أدّت إلى انضمام مربين جدد إلى قوافل الخارجين عن العمل. الأمر الذي دفع حكمت حداد عضو لجنة مربي الدواجن في سورية للخروج بتصريحات تؤكد أن ضعف القدرة الشرائية للمواطنين تارة وانشغالهم بتأمين المونة من الخضار “فول وبازيلاء وثوم…” حالت دون إقبالهم على شراء هذه المادة، ليُعاود بتصريحات أخرى إلقاء اللوم على انشغال الأهالي خلال الفترة الحالية بامتحانات أبنائهم، الأمر الذي لاقى الكثير من الانتقادات من قبل رواد مواقع التواصل ممن وجدوا خللاً بهذه التبريرات، فتخزين المونة تقليد سنوي لم يتغيّر في كل عام، وبالتالي لا علاقة لعدم قدرة المواطن على شراء الفروج بانشغاله بالمونة، ناهيك عن أن أسعار الخضار تحلّق هي الأخرى بمحاذاة اللحوم البيضاء والحمراء، وفقدت معظم المنازل السورية هذا التقليد السنوي في تأمين المونة للعام القادم.
وضع حدّ
وبعد الشكاوى المتكررة للمربين وفتحهم ملفات تهريب الفروج من الدول المجاورة، وخاصّة من لبنان نتيجة انخفاض سعره هناك، وطرحه في الأسواق السورية بسعر منخفض ومنافسته للفروج السوري، ومطالبتهم بوضع حدّ لعملية الدخول غير النظامية لهذه المادة التي أدّت لخسائر كبيرة، جاءت تصريحات من قبل الجهات الرسمية تؤكد أن سبب انخفاض سعر الفروج خلال الفترة الحالية يعود إلى تهريب مادة الفروج من لبنان إلى المداجن الحدودية في سورية، وبالتالي لا علاقة للامتحانات والمونة و… بانخفاض سعره، وأشارت التصريحات إلى أن تهريب الفروج توقف، وبالتالي سيعاود سعر المادة الارتفاع من جديد، ولاسيّما أن سعرها الحالي غير منصف للمربين ممن أخذوا هذه التصريحات على محمل الجد ولجؤوا إلى الاحتفاظ بالفروج لحين ارتفاع الأسعار وضخه في السوق بأسعار تلملم خسائرهم التي لاقت آذاناً مصغية واستجابة فورية!.
لا ضمان!
وعلى الرغم من مسارعة الجهات المعنية للوقوف على أسباب انخفاض سعر المادة في السوق المحلية، إلّا أن رضا المربين لم يكن واضحاً في حديثنا معهم، إذ وجد مازن مارديني “عضو مربي الدواجن في غرفة زراعة دمشق” أن العامل الحكومي الذي يجب أن يكون الضامن للمربين غير موجود نهائياً، وخاصّة مع عدم وجود تنظيم لعمل المربين خلال السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من تقديمنا لحلول مراراً وتكراراً إلّا أن عدم الاستجابة لها بناءً على مصالح شخصية كان ولا يزال سيّد الموقف. ولم ينفِ مارديني وجود تهريب للمادة في الفترة السابقة من لبنان بطريقة منظمة تحت غطاء “المواطن”، في حين الواقع الملموس هو تحقيق أرباح شخصية لفئات معيّنة على حساب القطاع الخاص من مربين لدينا، الأمر الذي يؤدي إلى خسائرهم المتكررة وخروج منشآتهم عن العمل، والذي ما زالت الجهات المسؤولة غير مدركة لحجم الكارثة التي سنصل إليها في حال بقيت متجاهلة صعوبات عمل هذا القطاع واحتياجاته، متسائلاً عن أصحاب المصالح بتحقيق هامش ربح لمحال الشاورما والتي تباع فيها السندويشة التي لا تحوي أكثر من 110 غرامات من لحم الفروج بحدود الـ6000 ليرة، في حين سعر الفروج كاملاً 5500 من أرض المدجنة. وانتقد عضو مربي الدواجن التجاهل المتكرّر من قبل السورية للتجارة ورفضها استلام المادة من المداجن، علماً أن هناك وعوداً من وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك للمربين باستحالة قبوله خسارة المربين، خاصّة وأنه حمل على عاتقه أخذ كلفة الإنتاج من وزارة الزراعة وإضافة هامش ربح يتماشى مع واقع المربين، إضافة إلى شراء المادة منهم أيام الكساد، وهذا ما لم نلمسه على أرض الواقع الذي يشي ببدء انهيار القطاع أمام أعين الجهات المسؤولة!.
دعم جزئي
وحول واقع الأعلاف وتقديم الدعم للمربين، لم ينكر مارديني حصول المداجن الخاصّة على علف من مؤسّسة الأعلاف، لكن لا زال الدعم يُقدّم لنا كقطاع خاص بشكل جزئي ومحدود بـ900 غرام كلّ 60 يوماً، بعكس الدعم المقدّم للقطاع العام، الأمر الذي يؤكد عدم وجود حزم وجديّة بشأن وضع حلول تتناسب مع واقع هذا القطاع الذي هو الآن بأمسّ الحاجة لوضع حدود، أو رسم خطوط أساسية للإنتاج السليم الصحي الضامن لوجود المربي، كذلك يجب أن تفصل الحكومة بين مصالح المواطنين وحاجتها الأساسية في السوق وعدم الاستهتار بالكتلة النقدية التي تُدار في القطاع، فالشرخ بات كبيراً اليوم بين المربي والمسلخ والتاجر، مع عدم وجود أسواق خارجية لتصريف إنتاج هذا القطاع.
انعدام التخطيط..؟
في المقابل وجد عبد الرحمن قرنفلة “المستشار الفني في غرفة زراعة دمشق” أن مشكلة تذبذب سعر الفروج مركبة، وما يحصل في مشكلة هذا القطاع كثرة العرض مقابل قلّة الطلب، وهذا يعود إلى عدم وجود دراسات من قبل مديرية الاقتصاد الزراعي في الوزارة المختصّة لدراسة حجم الطلب على المادة في جميع فترات السنة، إذ لا بدّ من تقديم تخطيط لإنتاج 500 طن مثلاً بحيث يتناسب مع حجم الطلب لضبط إيقاع استيراد الجدّات والأمّات إلى القطر، في حين ما يحصل منذ عشرات السنين هو استيراد عشوائي وبالتالي فائض في الصيصان. ونفى قرنفلة أن يكون تهريب المادة من لبنان هو العامل المؤثر الوحيد بانخفاض سعر الفروج، فالتهريب قائم منذ الأزل وفي جميع دول العالم، لكن ضعف القوة الشرائية للمواطن وخلل التخطيط وعشوائية التربية جميعها عوامل تؤثر وتتحكّم في سعر المادة. ووجد المستشار الفني أهمية كبيرة في تشكيل اتحاد نوعي لمربي الدواجن بحيث يتحكّمون بأنفسهم ويضبطون إيقاع السوق حسب إنتاجهم وتكاليفهم، متوقعاً ارتفاع سعر المادة في الفترة القادمة نتيجة خسارة المربين حالياً، وبالتالي توقفهم عن العمل واستمرار البعض بإنتاج فوج جديد سيكون سعره مرتفعاً، لنعيد ونكرّر الوقوع في دوامة الخطأ وسوء التخطيط نفسه!!.
ميس بركات