“طوران العظيم”.. مشروع أردوغان الجديد في آسيا الوسطى
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
في 6 حزيران الجاري، أثناء اجتماع مجلس الجمعية البرلمانية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في العاصمة الأرمينية، قال رئيس البرلمان القيرغيزي تالانت ماميتوف: نظراً للتحديات والتهديدات المتزايدة للأمن، بما في ذلك الإرهاب الدولي والتطرف الديني وتهريب المخدرات وغير ذلك الكثير، فإن نظام الاستجابة للأزمات في المنظمة يعتبر عنصراً أساسياً في أنشطتها. كما أكد على ضرورة تعميق تفاعل الدول الأعضاء من أجل الاستجابة في الوقت المناسب، مشدداً على ضرورة تركيز جهود منظمة معاهدة الأمن الجماعي ليس فقط على مواجهة التحديات والتهديدات الأمنية، بل على القضاء على أسباب حدوثها، مقترحاً إنشاء هيكل عسكري سياسي متكامل قائم على منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
وفي 7 حزيران، أثناء مقابلة خاصة له على قناة “ذا فيلم” بعنوان ” حلفاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي- 30 عاماً من حراسة الأمن الجماعي” أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن شعور دول الناتو بالقلق من الأهمية المتزايدة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي وتأثيرها لم يعد سراً، مضيفاً أن الناتو يقوم بالأعمال المحظورة التي سبق أن تعهد أعضاؤه بعدم القيام بها. لذلك، “يجب أن تعمل منظمة معاهدة الأمن الجماعي كعامل يضمن التوازن في المنطقة الأوروبية الأطلسية”. وخلص لافروف إلى أنه، جنباً إلى جنب مع إجراء المناقشات حول الأمن في المنطقة، سيصبح وجود منظمة معاهدة الأمن الجماعي أكثر أهمية.
وفي 16 آيار الماضي، عُقد اجتماع لرؤساء دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي في موسكو أشار خلاله بوتين إلى أن توسع الناتو مصطنع، وقال إن حلف شمال الأطلسي يتخطى هدفه الجغرافي، وبهذه الطريقة يحاول التأثير على مناطق أخرى، كما أشار إلى أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي تلعب دوراً مهماً للغاية في تحقيق الإستقرار في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وأعرب عن أمله في أن يزداد تأثير المنظمة. اليوم، يتجه عدد من البلدان- وليس فقط في الاتحاد السوفييتي السابق- على نحو متزايد إلى فكرة الإنضمام إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تتمتع بقدرات كافية للرد على التحديات الموجودة اليوم بتوسيع حلف شمال الأطلسي. لذا وبحسب الأمين العام للمنظمة، لا توجد بالتالي حاجة لزيادة كتلة نفوذها.
ومع ذلك تواصل الدول الأوروبية بمختلف السبل، محاولتها التصدي لتأثير منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وذلك بالسعي لتوفير فرص بديلة لأعضاء هذه المنظمة، حيث يحاول حلف الناتو تحويل تركيا، لتصبح أداة ضغط على روسيا في المقام الأول.
بعد إثارة التصعيد في ناغورنو كاراباخ- حاولت أنقرة بالفعل- بإيعاز من بروكسل و واشنطن، القيام بدور “فعال” في حل هذا “الصراع”، وفي ظل عدم تدخل موسكو بشكل كبير في نتائجه، حاولت الضغط من خلال الإعلان عن تحالف عسكري لدول المنطقة مع أنقرة مقابل العضوية في منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
ولتعزيز أهميتها في المنطقة، قامت أنقرة باستثمارات وأرسلت رجال دين إلى دول الاتحاد السوفيبتي السابق، فضلاً عن افتتاح برامج تعليمية واسعة في المنطقة. حتى أنها قامت بإدراج مفاهيم مثل “الأوزبك الأتراك”، و”الأتراك التتار”، و”الأتراك القرغيزيين” في وسائل الإعلام. ومن هذا المنطلق، تعمل تركيا على زيادة توسعها في دول الاتحاد السوفييتي السابق لجعلها تدور في فلكها، حيث أنشأت “المجلس التركي” في عام 2009 الذي شمل جميع البلدان، باستثناء تركمانستان المغلقة، التي تضم مجموعة عرقية سائدة.
بالتوازي مع بث الإيديولوجية الطورانية التركية في آسيا الوسطى، استخدم مبعوثو أنقرة رغبتهم في تحديد هوية جديدة للجمهوريات في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي، استناداً إلى التوجه الأثني، والتي تؤدي حتماً إلى معاداة الروس، فضلاً عن بث الإيديولوجية الطورانية التركية التي عززت هذه المشاعر، وخلق وهم عن مجتمع جديد داخل إمبراطورية تركية تحت قيادة تركيا.
اختارت تركيا بيع الأسلحة لدول هذه المنطقة، كأحد السبل لكسب موطئ قدم في آسيا الوسطى، خاصةً أن مفهومي “شراء الأسلحة” و “ضمان القدرة الدفاعية للدولة” في العالم الحديث قد انتقلتا إلى الساحة السياسية منذ فترة طويلة.
قدر استطلاع المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية نُشر مؤخراً، بعنوان “التوازن العسكري” عن وجود 220.000 جندياً في جمهوريات آسيا الوسطى، وامتلاك كازاخستان وأوزبكستان أكبر ترسانة عسكرية، بحيث يكون ميزان المدفوعات العسكرية في هذه الدول أكثر من غيرها في المنطقة. من هنا يتعين على دول آسيا الوسطى، التي لا تمتلك مجمعاً صناعياً عسكرياً متكامل، الاعتماد على شركاء أجانب، ما يؤدي إلى بيع الأسلحة لهم كعنصر من عناصر السياسة.
وعلى أمل استخدام هذه الميزات، بدأت تركيا الانخراط بنشاط في السنوات الأخيرة لاكتساح سوق الأسلحة في آسيا الوسطى، وهنا كانت فكرة أردوغان حول مشروع “طوران العظيم”. وهذا هو سبب قيام أنقرة بتطوير التعاون العسكري التقني مع قيرغيزستان وكازاخستان وجمهوريات أخرى في الأشهر الأخيرة.
ففي آذار الماضي، وقعت تركيا خارطة طريق للتعاون العسكري التقني مع قيرغيزستان، كما زار الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف أنقرة في آيار الماضي، حيث تم توقيع الاتفاقيات العسكرية والتقنية.
لكن بالعودة للتاريخ، يتعين علينا أن نتذكر بأن تركيا- على غرار الإمبراطورية العثمانية- قد أوجدتها بريطانيا باعتبارها تهديداً دائماً لروسيا من الجنوب. والآن تحاول لندن وواشنطن بشكل كبير استخدام تركيا، كعضو في الناتو، لمواجهة روسيا، خاصة في منطقة آسيا الوسطى، من خلال طرح أردوغان لمشروع “طوران العظيم”، ومن خلال مبيعات الأسلحة، حيث قامت مؤخراً بربط قرغيزستان وطاجيكستان بها، مستفيدةً من العلاقات المعقدة بين هاتين الجمهوريتين.
قامت كازاخستان مؤخراً بشراء أسلحة ثقيلة، الأمر الذي لم يكن ليتم لولا دعم وسائل الإعلام الإقليمية ذات التوجه الغربي، كما يوجد محادثات حول الحاجة إلى إنشاء قوات مسلحة موحدة لـمشروع “طوران العظيم” يمكنها تلقائياً سحب هذه الدول من منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
يتوقع الغرب، الذي يشجع عقود الأسلحة التركية مع دول آسيا الوسطى، أن تركيا بعد الأحداث في ناغورنو كاراباخ، ستكون قادرة على إخراج أرمينيا “من رعاية” منظمة معاهدة الأمن الجماعي، كما تحدث تغيرات مماثلة في قيرغيزستان وكازاخستان، حيث أصبحت الحالة المزاجية لبعض قطاعات المجتمع متأثرة بالغرب بشكل واضح بسبب المنظمات غير الحكومية، مثل إعادة النظر في موقفها من منظمة معاهدة الأمن الجماعي والابتعاد عن المدار الروسي.
بوجود مثل هذا التغيرات للأحداث، تأمل واشنطن ولندن وبروكسل في نشوء “الناتو في آسيا الوسطى” على المدى المتوسط بحماية أنقرة، وهو نوع من التحالف العسكري الجديد بين “الدول التركية”، والذي يفترض أنه قادر على تغيير جذري لميزان القوى في المنطقة.