ثقافةصحيفة البعث

التشكيل السوري يتألق بعودة معرض الفنانين السنوي

لم يكن حدث ترميم صالة الرواق العربي الكبيرة، التي كانت جزءاً من تاريخ الفنّ التشكيلي السوري حدثاً عابراً، إذ تزامن افتتاحها مع انطلاق المعرض السنوي لفناني سورية الذي أقامه اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية بعد توقف سنوات طويلة. فكان تظاهرة ثقافية وفنية واجتماعية، عكست غنى فكرياً وفنياً متنوعاً بالمضامين والتقانات والأساليب والمسارات لتأملات ذاتية وإشكالية الوجه الخفي للأنثى وروح المدينة ومفردات التراث والأبعاد الوطنية وغيرها.

وقد أجمعت الآراء على تميز الأعمال المعروضة وسويتها الفنية الراقية، ووصفه البعض بمعرض عالمي دون مبالغة.

واتسم بالحضور القوي للفنانين المقيمين في دمشق، وابتعاد فناني المحافظات عن ملامح البيئة لمناطقهم مع حضور طفيف للطبيعة، فعكس هوية بعض الفنانين الذين خطوا بصمة قوية في التشكيل السوري ضمن مساراتهم مثل ناثر حسني وموفق مخول وبشير بشير وبديع جحجاح ولينا ديب والدكتور ميسر كامل وغيرهم.

وفي جانب آخر تألقت اتجاهات متطورة نحو مفهوم الفنّ المعاصر، إضافة إلى جمالية الركن النحتي لاسيما التشكيل الأنثوي وحيز الفراغ في الكتلة النحتية للنحات زياد قات.

والملفت أن المعرض طرح سؤالاً هاماً عن غياب الصحافة الورقية من خلال اللوحة الجدارية للفنان أشرف حقي المبنية على الكولاج من ورقيات الصحف والمجلات القديمة، ومن علامة استفهام كبيرة رُسمت بجانب مستلزمات الصحفي النظارة وعلبة السجائر.

الفنّ المعاصر

أثنت معاون وزيرة الثقافة المهندسة سناء الشوا في حديثها مع الإعلاميين على المعرض وعلى الفن التشكيلي السوري المتجدد والمتطور، ورأت أن الفنانين المنتسبين إلى اتحاد الفنانين التشكيليين فنانون مبتكرون وموهوبون تعدوا الموهبة إلى الاحترافية، وأن اللوحات عالية المستوى ومن مدارس فنية مختلفة، كما نوّهت إلى التنوع بالأساليب والمضامين من مختلف المحافظات إضافة إلى الأعمال النحتية، وتوقفت عند خاصية الفنّ المعاصر كإحدى سمات هذا المعرض مشيدة بكل تفاصيل المعرض التي شكّلت إضافة حقيقة إلى التشكيل السوري.

الشكر لكل الفنانين

كما تحدث رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السوري المهندس عرفان أبو الشامات عن المعرض السنوي الذي تمثله كل محافظات سورية، وتابع عن الجديد بتزامن افتتاح الصالة الكبيرة في الرواق العربي مع المعرض والتي استوعبت تسعين عملاً تصويرياً من مختلف المدارس، إضافة إلى أربعة عشر عملاً نحتياً وخزفياً، وشكر كل الفنانين المشاركين لأن مشاركتهم انطباع حضاري يعكس تعافي سورية.

أما عن كيفية اختيار اللوحات فبيّن بأنها وفق معايير ضمن سوية معينة وخضعت للتقويم، أما عن سؤال “البعث” حول رفض بعض اللوحات، فعقب بأنه لم يتم الرفض وإنما تم انتقاء لوحة واحدة لبعض الفنانين الذين قدموا لوحتين أو ثلاث لوحات.

  مشهد فني

ومن المشاركين من دمشق عصام المأمون الذي قدم مشهداً فنياً يحمل اختصاصات متعددة تجمع بين الغرافيك والنحت والتصوير والكولاج كما ذكر، وتابع: من الضروري أن نبتعد عن التأطير ونقدم بجرأة صيغاً بصرية جديدة، تليق بمفهوم الفن المعاصر، فاستخدمتُ تقانات ومواد متعددة، منها خيزران النخيل كونها طويلة الديمومة وقد ساعدتني بالنفورات لكنها صعبة بالتعامل، إضافة إلى الخيوط والإكليريك وتوظيف الكولاج بطريقة صحيحة، كما أثنى على صالة الرواق التي كانت من الصالات الهامة وعرض فيها سابقاً كبار الفنانين، وأشاد بالمعرض ورأى أن فيه أساليب مكررة مقابل أساليب وأعمال جديدة ضمن سويات جيدة، وأغلب الأعمال تعكس نتائج الحرب وتظهر الوجوه المتعبة بمختلف الأساليب.

وشغلت لوحة الحروفية والمنمنمات الذهبية للفنان ماهر المنجد من دمشق حيزاً في مدخل المعرض خطّ فيها بأساليب مختلفة قصيدة الجواهري التي كتبها للقائد الخالد حافظ الأسد “يا حافظ العهد يا طلاع ألوية”، مشغولة بورق الذهب والغواش ومجموعة أحبار، وتحدث عن سوية الأعمال الراقية التي تصل إلى مستوى الأعمال العالمية.

أما أسامة دياب فوصف صالة الرواق بأنها صالة عالمية قبل أن تكون محلية أخرجت للعالم فنانين وصلوا إلى العالمية، والمعرض صورة عن الفن السوري المتنوع المرتبط برؤى الفنانين ضمن مساراتهم التي لاتتغير إلا بشكل نادر عند بعض الفنانين الذين يضيفون أو يغيرون من أساليبهم. وأضاف بأنه طوّر بأسلوبه بالاشتغال على الحالة العاطفية للمرأة لتكون هي الجغرافيا هي الأرض، مستخدماً العجينة اللونية الكثيفة بحضور اللون النيلي.

وشاركت إيفا العباس بلوحة إشراقات بأسلوب تعبيري تجريدي استوحتها من المشرق العربي برموز وإيحاءات من المدن، ورأت أنه يوجد اهتمام ملحوظ يتزايد نحو الفنّ التشكيلي.

وتحدثت لينا رزق التي شاركت بعمل مختلف عن مسارها المعتاد -كما ذكرت- والقريب من المدرسة الوحشية بضربات الريشة الظاهرة والقوية، وبعدم التركيز على التفاصيل عن أهمية مشاركة الفنان بأي حدث جديد، وبأن عودة صالة الرواق إلى الحياة تمنحنا الكثير من الدعم والتشجيع، وتوقفت عند خاصية التنوع بالمدارس والأساليب، وجمالية لقاء الفنانين من كل المحافظات بمكان واحد.

وعادت صريحة شاهين إلى تاريخ المعرض السنوي العريق، ورأت أنه فرصة لانطلاقة صالة الرواق أيضاً، وقد شاركت بعمل زيتي عنوانه الضياع اختزلت في هيكلية الرجل والمرأة ومساحات اللون الأحمر بأسلوب تعبيري شدة الضغوط المتراكمة على الفرد، ويبقى اللون الأصفر بارقة أمل.

ومن حماه شاركت بسمة نجار بلوحة رمزت فيها للمرأة بجذع الشجرة المتفرع داخل الأرض يعلوها الرجل وبيده المفتاح، وعقبت بأن المرأة مصدر قوة الرجل جسدتها بأسلوب تعبيري سريالي بخلفية مضاءة لأنها منبع الطاقة والحب.

ومن طرطوس شكرت رويدة عبد الحميد الاتحاد  الذي جمع فناني سورية على مائدة واحدة، وأوضحت بأن لوحتها الانتظار المرسومة بأسلوب تعبيري استوحتها من أغنية فيروز “أنا خوفي من عتم الليل” فأوحت كل تفصيلات اللوحة بكآبة الليل والانتظار القاتل ابتداء من فنجاني القهوة إلى الوجه الخلفي للأنثى التي تنظر إلى النافذة إلى قتامة الألوان.

وعبّرت ميساء عويضة من ريف دمشق من خلال مجموعة وجوه غائبة الملامح عن الحلم، فنوّهت بأنها تهتم بإظهار الانفعالات الداخلية التي يشعر بها الرجل عامة والمرأة خاصة، بخطوط بسيطة وضمن مربعات، مع دلالة رمزية الارتباط بالعصافير الموحية بالسلام والفرح.

كما تابع كثيرون مسارهم الفني مثل ريم قبطان بلوحة حروفية تشكيلية صوفية هيمنت فيها الحروفية من قصيدة الحلاج “أنا من أهوى” حول دوران المولوي.

وليلى الأسطة بلوحة الفرس عبّرت فيها عن الشخصية الحقيقية للإنسان الذي لاينحني رغم كل الأوضاع القاسية ورغم ارتدائه الأقنعة أحياناً، في حين تابعت ربا قرقوط مسارها الجديد بالاشتغال على تجسيد الأنثى بتكنيك خاص باللون والمضمون، كما شاركت سناء فريد بالمنمنمات الزجاجية.

الفنانة سهام إبراهيم زارت المعرض فكانت لوحة غنائية موسيقية جميلة من تراث سورية الغنائي وأشادت بجمالية المعرض.

ملده شويكاني