بين المتوفر والأفضل.. علاج سكري الأطفال بانتظار دعم أكبر ولا إحصاءات عن عدد المصابين!
“أكثر من 1100 وخزة لقياس مستوى السكر في الدم” تحمّلتها ماريا، ابنة الأربعة أعوام، بعزيمة وقوة منذ تشخيص حالتها بمرض السكري، غير أن يديها الصغيرتين أُرهقتا من الوخز اليومي لأخذ القياسات، فضلاً عن 120 حقنة أنسولين قاعدي، وقرابة 250 حقنة أنسولين سريع، لذا فهي تتطلع لما يُريح أناملها من الشكات المتكررة ويساعدها على التحكّم بمستوى السكري، الذي سيرافقها مدى الحياة، بعيداً عن كل هذا العناء.
العلاج والتأمين
مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة الدكتور زهير السهوي أوضح أن النمط الأول من السكري، أو سكري الأطفال، هو عبارة عن تخريب مناعي ذاتي للخلايا المفرزة للأنسولين من البنكرياس، وبالتالي فإن العلاج يتطلّب إعطاء جرعات من الأنسولين عن طريق الحقن تحت الجلد، حيث إن آلية هذا المرض مناعية، والعلاج يختلف تبعاً لحالة كل طفل، مشيراً إلى أن خطة العلاج المتّبعة من قبل الوزارة تعتمد على الأنسولين المختلط والسريع التأثير فقط، على الرغم من وجود العديد من الأنظمة العلاجية المتّبعة لمعالجة داء السكري، غير أن ما يتوفر لدى الصحة هو المختلط (NOVOMIX)، حيث تؤمّن الوزارة الجرعات اللازمة له، في حين أن الأنماط الأخرى، كالأنسولين القاعدي (LANTUS)، غير متوفرة حالياً، وفقاً للدكتور السهوي، لافتاً إلى أن الوزارة تؤمّن الأنسولين مجاناً للأطفال السكريين، ويتمّ توزيع أجهزة تحليل وشرائح وسيرنغات، إضافة إلى أن المراكز الصحية توفر المعاينة والتحاليل والعلاج بشكل مجاني أيضاً، لكل المرضى.
قاعدي ومختلط
ووفق الدكتور أسد إبراهيم، أستاذ أمراض الغدد الصم وسكري الأطفال ونائب عميد كلية الطب البشري بجامعة دمشق للشؤون الإدارية أن التوجّه حالياً، في كلّ دول العالم، نحو المعالجة المكثفة بالأنسولين، أي جرعات متعدّدة لأنسولين سريع مع جرعة واحدة لأنسولين بطيء، وهو ما يطلق عليه الأنسولين القاعدي. ويشير الدكتور إبراهيم إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال يُعالجون بالأنسولين المختلط لتوفر هذا النمط من العلاج ومجانيته، وقلّة عدد الشكات، في حين أن الأنسولين القاعدي مكلف أكثر، ولكن في حال استطاع الأهل تأمينه مع معدات الحقن فإن اتباعه يعطي مؤشرات نزول أو صعود السكر ويؤمّن ضغطاً أفضل، ويعدّ خطة علاجية مناسبة أكثر.
ويوضح إبراهيم، أن الاختلاف بين نمطي العلاج، المختلط والقاعدي، هو بالمدة، فالأنسولينات الحديثة، أو مشابهات الأنسولينات الحديثة، سريعة التأثير وتستمر لفترة قصيرة، وبالتالي فإنها ترتبط بالوجبات التي يتناولها الطفل، لذا تنخفض مخاطر نقص سكر الدم على المدى الطويل، في حين أن الأنسولين البطيء يمتد تأثيره لـ12 ساعة، وهناك خطر من نقص السكر بالدم إذا لم يتناول المريض وجباته بالمواعيد المحدّدة.
القياسات والوخزات
وبيّن إبراهيم أن الغالبية العظمى من الأطفال تكره الوخزات الكثيرة والمتكررة، وذلك من أحد الأسباب التي تدفع الطبيب للجوء إلى نمط العلاج بالأنسولين المختلط، أو مزيج معدّ مسبقاً من الأنسولين السريع والمتوسط لتغطية الأربع وعشرين ساعة، مشيراً إلى أن القياسات المتكررة الموصى بها، لمراقبة سكر الدم، هي من 3-4 مرات عند الأطفال، الأمر الذي يسبّب إزعاجات كثيرة للطفل في كل مرة يتمّ فيها الوخر لقياس مستوى السكر.
أمور بالحسبان
ويوضح إبراهيم أن القاعدة الطبية هي معالجة الطفل الذي لديه سكري، وليس معالجة داء السكري عند الأطفال، ويعني ذلك مراقبة النظام الحياتي للمريض ووجباته الغذائية، عدد الحريرات أو الكربوهيدرات في كل وجبة، ومعادل السكر، إضافة لأخذ نشاط الطفل بالحسبان ودوامه المدرسي عند وضع جرعة الأنسولين.
قياس بلا وخز
“FREESTYLE LIBARE” هو عبارة عن جهاز بسيط يتألف من قسمين، جهاز الاستشعار أو المجس ذو حجم صغير يوضع على الذراع العلوي من الخلف لقياس مستويات السكر، يُمرّر عليه جهاز آخر يقوم بقراءة مستوى السكر الذي أخذه جهاز الاستشعار، وهو مصمّم لفحص مستويات السكر دون الحاجة لأخذ عينة من الدم، ما يعني الاستغناء عن الشكات المتكررة وإراحة المريض من متاعب الوخز.
وعند سؤال الدكتور زهير السهوي عن هذا الجهاز، بيّن أنه غير متوفر في سورية، لافتاً إلى أنه يتمّ العمل على تأمينه.
بالمقابل، بيّن إبراهيم أن موضوع إدراج جهاز FREESTYLE LIBARE، أو الأنسولينات الحديثة، يجب أن يتبع سياسة عامة للعناية بالأمراض المزمنة، وتكون معوّضة فعلاً، مشيراً إلى أن الطفل السكري مظلوم من ناحية تأمين هذه المواد.
في السياق نفسه، أشار إبراهيم إلى توفر مضخات تستخدم الأنسولين السريع مع نسبة تسريب على مبدأ الأنسولين القاعدي، غير أن العائق الذي يمنع استخدامها هو التكلفة العالية لها، إذ يبلغ سعر المضخة نحو 12 مليون ليرة، وكلفة المواد والاكسسوارات تصل إلى 500 ألف شهرياً.
نسب وإحصائيات
حاولنا البحث عن إحصائيات دقيقة لمعرفة أعداد الأطفال المصابين بداء السكري، غير أن بحثنا لم يوصل إلى أي شيء، إذ لا توجد دراسات تؤكد نسب الإصابة بهذا المرض، الأمر الذي أكده لنا إبراهيم، حيث أوضح أنه على الرغم من عدم وجود تلك الدراسات إلا أن نسبة انتشار المرض تقارب النسب العالمية، والتي تُقدّر بـ1 لكل 2000– 3000 طفل، من الولادة حتى عمر الـ18 سنة، لافتاً إلى أن هناك زيادة في نسب انتشار داء السكري في الآونة الأخيرة.
دعم الأهل وإدراكهم
يعيش الأهل، عادة، حالة من الهلع عند مرض أبنائهم، فكيف إذا كان المرض هو السكري، عندها تبدأ الوساوس والمخاوف حول قدرة ابنهم على التعايش مع وضعه وممارسة حياته الطبيعية، والأهم من ذلك كيف سيتعاملون هم مع ذلك. وهنا تؤكد العديد من الدراسات أن على الأهل تقبل الواقع الذي فرض عليهم والوقوف إلى جانب طفلهم لمساعدته في تخطي آلام هذا المرض وأوجاعه، فالدعم النفسي واحتضان مشاعر الطفل المختلفة في هذه المرحلة لا يقلّ أهمية عن العلاج الطبي، إضافة لضرورة إلمامهم بكل ما يتعلّق بالمرض، لمعرفة كيفية التعامل معه في حال حدوث أي طارئ، ومتابعة الإجراءات الطبية بشكل دوري، كالتحاليل وغيرها، والأهم توعية الطفل وشرح حالة مرضه، إذ يصعب منع الأطفال من تناول مأكولاتهم المفضّلة، لذلك يجب التوضيح لهم بأن الحلويات والسكريات يجب أن تؤخذ بكميات محدّدة، وأن عليهم مراقبة مستويات السكر في الدم للاستمرار بالاستمتاع بما يرغبون به، كما يجب إبلاغ الوسط المحيط بالطفل عن إصابته بمرض السكري، وخاصة المدرسة، وإعلامهم بطريقة التصرف في حال حدوث أي انخفاض أو ارتفاع مفاجئ في مستوى السكر.
رغد خضور