مع اقتراب موسم الشتاء.. الغرب يعترف بصعوبة الاستمرار في العقوبات على روسيا
البعث – تقارير:
على وقع الأزمة الاقتصادية التي تجتاح أوروبا حالياً نتيجة السياسات الخاطئة التي انتهجها زعماؤها تجاه روسيا، ومع اقتراب موسم الشتاء والعجز عن تعويض الإمدادات الروسية من النفط والغاز، بدأت مشاعر القلق تنتاب أكثر المسؤولين الأوروبيين من عدم القدرة على مواجهة برد الشتاء الأوروبي القاسي مع نقص شديد في إمدادات الغاز الروسي، حيث أفيد بأن هناك انقساماً شديداً بين القادة الأوروبيين حول مسألة الاستمرار في العقوبات على مصادر الطاقة الروسية في ظل العجز الكامل عن تأمين بدائل أخرى لها، فضلاً عن تحوّل هذا الخلاف إلى صراع بين دول بعينها حول العلاقة مع روسيا، الأمر الذي يهدّد فعلياً وحدة الاتحاد الأوروبي.
فقد أفادت شبكة “CNN” الأمريكية بأن المسؤولين الأوروبيين يشعرون بالقلق حيال احتمال انهيار الإجماع الغربي في موقفهم تجاه أوكرانيا مع بدء فصل الشتاء القاتم واحتمال الركود.
ونقلت الشبكة عن مسؤولين قولهم: إنه “مع اقتراب الأزمة من الذكرى نصف السنوية لها، يشعر المسؤولون في جميع أنحاء أوروبا بالقلق من أن الإجماع قد ينهار مع دخول القارة في شتاء قاتم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة المحدودة لتدفئة المنازل، واحتمال حقيقي للركود الاقتصادي”.
وقال كير جايلز الاستشاري الأول في مركز أبحاث “تشاتام هاوس”: “التحدي بالنسبة لأوكرانيا هو نفسه الذي كان عليه في اليوم الأول: حفاظ الغرب على وحدة صفّه حيث وصلت تكاليف دعم كييف إلى الداخل، ليس فقط من خلال ابتزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الغاز والحبوب وإنما ارتفاع تكلفة الدعم الاقتصادي والإنساني أيضاً”.
وأضاف: “قد يكون هذا هو السبب الذي دفع فلاديمير زيلينسكي للقول: إنه يريد انتهاء الحرب قبل عيد الميلاد، لأن القضايا الحقيقية ستتمثل في حمل الغرب على الالتزام بوعوده على المدى الطويل”.
من جهة ثانية، سلّطت صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية الضوء على الخلاف بين قادة بولندا وهنغاريا بخصوص العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
وحسب الصحيفة الأمريكية، يتخذ رئيسا الوزراء، البولندي، ماتيوز مورافيسكي، والهنغاري فيكتور أوربان، مواقف متعارضة تماماً في تقييم الصراع في أوكرانيا، فقد “توقف البولنديون عن الوثوق بشركائهم الهنغاريين”.
وأضافت الصحيفة: إن التحالف غير الليبرالي في وسط أوروبا بين هنغاريا وبولندا يقترب من نهايته بسبب الاختلاف في المواقف تجاه العملية الروسية الخاصة، فعلى الرغم من أن وارسو أصبحت أحد الداعمين الرئيسيين لأوكرانيا، داعية إلى تشديد العقوبات ضد موسكو وزيادة المساعدة العسكرية لكييف، إلا أن بودابست ابتعدت عن أي إجراءات مهمّة ضد روسيا، وركزت بدلاً من ذلك على الحفاظ على علاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ما يعمّق الخلاف أكثر بين الدولتين هنغاريا وبولندا بسبب الأزمة الأوكرانية).
وبذلك ترى الصحيفة أن تدهور العلاقات بين بودابست ووارسو يمكن أن يضرّ بالدول التي تتجاهل قواعد الاتحاد الأوروبي.
أما صحيفة “دي تسايت” الألمانية فقد ذكرت أن محاولات المستشار الألماني، أولاف شولتس، للتفاوض بشأن توريد الغاز الكندي، لم يكتب لها النجاح.
وكتبت الصحفية، بترا بينزلر، في الصحيفة بهذا الشأن تقول: “تحدّث رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وشولتس باستمرار عن الشراكة والصداقة والعلاقات القوية والوثيقة. ودعا الزملاء الكنديون الضيوف الألمان لتناول طعام الغداء. تحدّثنا عن الصداقة مرة أخرى. لكن حل صباح اليوم الثاني من الزيارة، ووصل الحديث إلى الغاز، وهنا انتهت بلاغة رئيس الوزراء الكندي!”.
ولفتت بينزلر إلى أن ترودو قال في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار شولتس: إن كندا ستنظر في مسألة وجود أنموذج أعمال لتزويد ألمانيا بالغاز الطبيعي المسال.
وقالت الخبيرة في مقالها: “الصادرات من كندا إلى أوروبا ببساطة لا تؤتي ثمارها، وليس من المعروف ما إذا كان يمكن أن تؤتي ثمارها في المستقبل. تشير الحقائق إلى أن الغاز من كندا لن يحل محل الإمدادات من روسيا في المستقبل القريب، على الأقل بالنسبة لألمانيا”.
ولفتت بينزلر إلى أن الحقول الكندية الكبيرة تقع في غرب البلاد. ومن هناك، يمكن نقل الغاز بسهولة نسبياً إلى آسيا، ولكن ليس إلى أوروبا.
وتوضح الخبيرة الوضع القائم بقولها: “لكي يصل الغاز الكندي إلى أوروبا، سيحتاج أولاً إلى المرور عبر القارة بأكملها، بواسطة خط أنابيب. فهل يمكن أن يحدث هذا بسرعة كافية؟ ذلك أكثر من مشكوك فيه. من غير المرجح أن يعبر الوقود الأزرق من كندا المحيط الأطلسي هذا الشتاء أو الشتاء المقبل”.
ربما كانت الدول الأوروبية تعتقد أو أوحت إليها واشنطن بأن الحرب في أوكرانيا ستنتهي بهزيمة روسيا قبل قدوم فصل الشتاء، وبذلك انجرّت وراء فكرة العقوبات، ولكن مع اقتراب فصل الشتاء دون تحقيق أيّ هدف من الأهداف الغربية في إضعاف روسيا، بل استفادتها عكسياً من برنامج العقوبات المفروض عليها، صار لزاماً على قادة أوروبا التفكير جدّياً بالعودة إلى موسكو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصادات بلادهم المتهالكة.