دراساتصحيفة البعث

النيوليبرالية الغربية تلتهم المزيد من البلدان النامية

عناية ناصر 

تحدث مقال نُشر مؤخراً في صحيفة “نيويورك تايمز” للكاتب إندراجيت ساماراجيفا من سيريلانكا عن الأسباب العميقة للانهيار الاقتصادي في بلاده، حيث تكمن وراء الاتهامات غير المبرّرة للصين من قبل الولايات المتحدة والغرب مشكلة خطيرة يلقى باللوم فيها على النظام النيوليبرالي الذي يهيمن عليه الغرب.

وقد يكون الانهيار الاقتصادي والسياسي في سريلانكا مجرد بداية. ففي الآونة الأخيرة، وقعت بعض البلدان النامية في ضائقة اقتصادية، وارتفعت مخاطر الديون. كما أن هناك أسباباً حالية وتاريخية لذلك، فمن منظور تاريخي، تتميّز هذه البلدان بهيكل اقتصادي متجانس نسبياً ودرجة عالية من التبعية الخارجية. ونتيجة لذلك، ظهرت مشكلة أزمات الديون في البلدان النامية منذ سنوات عديدة والتي تعرضت للانتقاد وإعادة التفكير وفقاً لذلك.

منذ السبعينيات والثمانينيات وما بعدها، أولت البلدان النامية اهتماماً متزايداً للعديد من القضايا، ودعت إلى إصلاح النظام الاقتصادي الدولي غير المتكافئ وغير العقلاني، وظهرت بعد ذلك العديد من الأصوات التي انتقدت استغلال البلدان النامية من قبل النظام الاقتصادي الدولي الحديث، وخاصة من قبل نظام التجارة العالمي بأكمله الموجّه نحو اقتصاد السوق “دعه يعمل” في ظل النظام النيوليبرالي.

ومع ذلك، فإن سلسلة الدعوات من قبل الدول النامية في ذلك الوقت لم تحلّ مشكلاتها، ولاسيما مسألة التبعية الخارجية الكبيرة للنظام المالي. في هذا الخصوص، قال يانغ شي يو، كبير الباحثين في معهد الصين للدراسات الدولية: لقد أدّت هذه المشكلات التي تراكمت لسنوات إلى أزمة اقتصادية أو حتى انهيار في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل مثل سريلانكا، كما أنه نتيجة حتمية لوضع هذه البلدان غير المتكافئ منذ فترة طويلة في نظام التبادل الدولي.

وفي السياق نفسه، قال باي مينج، نائب مدير معهد أبحاث السوق الدولي في الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي: تكمن الليبرالية الجديدة للغرب في جعل هذه الدول النامية تتخلّى عن بناء نظامها الاقتصادي الوطني، وتعتمد بشكل كبير على السوق الدولية، لكن السوق الدولية متقلبة. وعندما تكون التقلبات حادة للغاية، وأسعار النفط أو المواد الخام مرتفعة للغاية، يصعب دفع احتياطيات النقد الأجنبي لهذه البلدان، ما يؤدي إلى عدم التوازن وبالتالي التخلف عن السداد.

وغالباً ما يقرض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية الأخرى الأموال للدول النامية بنوايا أنانية “لممارسة النفوذ الغربي”، الذي يطالب الدول النامية بإتباع النموذج الغربي للإصلاح والتخلي عن التدخل الحكومي في اقتصاداتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن النموذج الاقتصادي للعديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لا يزال يقوم بتصدير العمالة والموارد الرخيصة، واستيراد المنتجات باهظة الثمن، مما يجعلها محاصرة في حالة من التبادل غير المتكافئ للاستغلال.

أما بالنسبة للوضع الحالي، فإن سريلانكا تمثل دولة ذات هيكل اقتصادي وطني هشّ، وقد استغله العالم الغربي لفترة طويلة، مع تزايد الاعتماد الخارجي. في ظل هذه الظروف، نفذت البلدان المتقدمة بشكل عام سياسات التيسير الكمي بعد انتشار جائحة كوفيد-19، مما أدّى إلى تدفق السيولة والتضخم الخطير وارتفاع الأسعار. في مواجهة هذه المشكلات، بدأت الدول المتقدمة في رفع أسعار الفائدة وتنفيذ تدابير التقشف.

ووفقاً لـ يانغ، بسبب المركز المهيمن للدول المتقدمة في النظام النقدي والمالي الدولي، ستؤدي سياساتها إلى قيام غالبية الدول النامية باتخاذ إجراءات مماثلة. وعندما تختلفُ السياسة النقدية للبلدان المتقدمة من بلد إلى آخر، وخاصة الولايات المتحدة، فإن صدمة مثل هذه التقلبات ستكون بمثابة كارثة للبلدان النامية ذات التبعية الخارجية القوية وهيكل الديون الهشّ.

في القرن الماضي، كانت هناك نظرية شائعة جداً بين البلدان النامية، وهي نظرية “المركز- الهامش”، والتي تقول إن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلدان النامية قد تؤدي إلى سيطرة الشركات متعدّدة الجنسيات على اقتصاد البلد المضيف، الأمر الذي جعل البلدان النامية قطاعاً هامشياً بالنسبة للبلدان المتقدمة. لم يتغيّر هذا التفاوت من الناحية الهيكلية، ولم يتمّ حلّ أيّ من المشكلات التي أثارت استياء البلدان النامية على نطاق واسع في ذلك الوقت. وأشار يانغ إلى أن المشكلات الحالية في سريلانكا ليست سوى تكرار للتاريخ، وتكرار لأحداث مثل أزمة ديون أمريكا اللاتينية في الثمانينيات، ولا يزال السبب الجذري للأزمة، النظام الليبرالي الجديد، باقياً في العالم الحالي!.

ومع ذلك، فإن التعاون الاقتصادي الصيني في البلدان النامية هذه السنوات يختلف اختلافاً جوهرياً عن الاعتماد الاقتصادي لهذه البلدان على الغرب. وقد جادل يانغ بأن التعاون الصيني وبناء المساعدات نفسها ليس لهما أي قيود سياسية. بدلاً من ذلك، ركزت الدول الغربية، التي تدّعي إعطاء الأولوية لدور السوق الحرة، بشكل خاص على دور الحكومة في التعاون الاقتصادي الخارجي وتتدخل سياسياً. ثانياً، يتبع تعاون الصين مع هذه الدول النامية قوانين السوق واحتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية. بالمقارنة مع الاستثمار الموجّه للربح، تصرّ الصين على التعاون الشامل الموجّه نحو التنمية والذي يسعى إلى تحقيق التوازن بين الكفاءة والمساواة، بحيث يمكن للفوائد أن تعود بالفائدة على جميع الناس في جميع المناطق. ومن خلال هذا المفهوم، ستواصل الصين العمل كوسيط وميسّر لتعزيز دور المنظمات متعدّدة الأطراف في إيجاد حلول مشتركة لمشكلات ديون البلدان النامية.