أوكرانيا- تايوان- ألبانيا… أضاحٍ أم أدواتُ استفزاز في المخطط الصهيوني
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:
لم يعُد مستغرباً قيام الحكومة الألبانية بقطع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية هجوم سيبراني مزعوم قامت به أجهزة الأمن الإيرانية على مواقع مؤسسات حكومية ألبانية، حيث أعلنت الولايات المتحدة دعمها الفوري للاتهام الذي وجّهته تيرانا لطهران قبل التحقّق من صحّة هذا الاتهام الذي للمفارقة لم يُقنع حتى الآن إلا البيت الأبيض.
هذا الاتهام أثار حفيظة المسؤولين الإيرانيين، حيث أدانت الخارجية الإيرانية بشدة قرار وزارة الخزانة الأمريكية فرض حظر على وزارة الأمن الإيرانية ووزيرها، لأن الإعلان عن الدعم الأمريكي الفوري للاتهام الفارغ من حكومة ألبانيا وما تلاه من إجراءات سريعة لواشنطن يُظهر بوضوح أن مصمّم هذا السيناريو ليس الحكومة الألبانية، بل الحكومة الأمريكية، وأن تيرانا هي ضحية للسيناريو الذي صمّمته واشنطن ضد الجمهورية الإسلامية.
وكيف لا تكون ألبانيا رأس الحربة الأمريكية ضد إيران، وهي، أي الولايات المتحدة، فرضت استضافة زمرة إرهابية “حركة مجاهدي خلق الإرهابية” على حكومة وشعب ألبانيا وقامت بتدريب عناصرها وتجهيزهم في المجال السيبراني، وأن هذه المنظمة الإجرامية ما زالت كما كانت بمنزلة إحدى أدوات أمريكا في تنفيذ أعمال إرهابية وهجمات سيبرانية وحرب نفسية ضد حكومة وشعب إيران.
ومن المفارقة أيضاً أن تبادر الخزانة الأمريكية إلى فرض عقوبات على الوزارة الإيرانية لاتهامها “بالوقوف خلف هجوم إلكتروني استهدف ألبانيا”، وليس الولايات المتحدة نفسها، أي أنها فرضت نظام وصاية كاملاً على الحكومة الألبانية وعزّزت الشكوك الإيرانية حول عجز هذه الحكومة عن اتخاذ قرار قطع العلاقات بمفردها، فهل مجرّد انضواء واشنطن وتيرانا تحت جناح حلف شمال الأطلسي “ناتو” يتيح لواشنطن فرض هذه الوصاية، أم أن الأمر، كما أكدت الحكومة الإيرانية، أن هذا الاتهام كان مبيّتاً لغاية سياسية، وإذا كان الأمر كذلك فما الغاية منه على وجه التحديد؟.
بداية، هل يمكن أن تكون غاية هذا التصعيد المفتعل من جهة واشنطن التنصّل من الاستمرار في المفاوضات النووية المنعقدة حالياً بين إيران والغرب، أم أنه فقط محاولة ابتزاز بائسة يُراد منها كما العادة إجبار المفاوض الإيراني على تقديم تنازلات في مكان ما عبر هذا الاتفاق، وخاصة أن الطرفين الإيراني والأمريكي كانا قد أعلنا مراراً أن الاتفاق قاب قوسين أو أدنى من التوقيع إذا استمرّت الأجواء الإيجابية المرافقة له، فما هي الأجواء التي يمكن أن تعكّر صفو هذا الاتفاق، ولماذا يصرّ البيت الأبيض في هذا التوقيت بالذات على فرض عقوبات على الجانب الإيراني يمثّل رفعها جزءاً لا يتجزّأ من الشروط الإيرانية لإتمام الاتفاق، وهل شعر الجانب الأمريكي أنه لن يتمكّن في النهاية من إتمام المناورة عبر المفاوضات فأراد تفجيرها بسبب آخر بعيداً عن الحديث عن المفاوضات نفسها، لأنه لا حجّة له للقول: إن مطالب إيران هي السبب في إنهاء التفاوض، حيث كانت المطالب الإيرانية واضحة طوال فترة التفاوض، ولم تتوانَ إيران عن الإعلان عنها على لسان جميع مسؤوليها خلال الفترة السابقة، وبالتالي ليس هناك ما يستجدّ بالنسبة للمطالب الإيرانية التي يتمثل معظمها في رفع العقوبات وإعادة الأموال الإيرانية المحتجزة لدى الغرب، وهذا طبعاً لا يمكن أن يكون مسوّغاً منطقياً لواشنطن لإنهاء المفاوضات والإعلان عن فشلها، وبالتالي لابدّ من صناعة سبب لذلك، هذا إن لم تكن الغاية الحقيقية هي ابتزاز إيران لتقديم تنازلات في ملفات أخرى، وهذا مرفوض سلفاً حسب المسؤولين الإيرانيين.
ومن هنا، يمكن القول: إن هناك عوامل أخرى لها علاقة ربما بشأن آخر قد يكون منطقياً، وهو أن واشنطن كانت تتخذ من المفاوضات وسيلة لإلهاء إيران في أماكن معيّنة، بمساعدة الدول الغربية الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بمعنى احتوائها فترة زمنية معيّنة، إما لحاجة إسرائيلية بحتة تتعلّق بالوضع الداخلي في الكيان الصهيوني، وإما لأن العامل الإسرائيلي هو اللاعب الأساسي في القرار الغربي بعودة المفاوضات مع إيران، أي أن شعور الكيان بالضعف في مكان ما تجاه إيران هو الذي يحرّك لغة التفاوض مع إيران مرحلياً، وبالمقابل شعور الكيان بشيء من القوّة يدفعه إلى تعطيل التفاوض، وهذا يعيدنا إلى التهديد الإيراني على لسان عضو لجنة الأمن القومي في إيران مجتبى ذو النوري الذي قال: إن “إسرائيل ستسوّى بالأرض لو رمقتنا بنظرة خاطئة”، مضيفاً: “لو كان التهديد العسكري ممكناً لهم، لما شاركوا في الحوار معنا، ولما كانوا يسعون وراء توقيع اتفاقية فيينا”.
وبناء على كلام المسؤول الإيراني نتساءل: هل أصبح التهديد العسكري ممكناً حتى تختلق واشنطن الأسباب للابتعاد عن الحوار؟.
في الحقيقة، يمكن الاعتقاد أن الوضع الحالي في المنطقة والعالم يقع على حافة اشتباك حقيقية، فإذا كانت المفاوضات النووية مؤشراً على نوع من الانفراج في العلاقات الدولية، فإن توقّف هذه المفاوضات في الوقت الذي تشعر فيه واشنطن أنها حققت شيئاً ما في معركة استنزاف روسيا في أوكرانيا، وإلهاء الصين كما تعتقد باستفزاز آخر في تايوان، يمكن أن يشير إلى فتح ساحة اشتباك جديدة مع إيران بالاستفادة من انشغال الحليفين التقليديين روسيا والصين في مكان آخر حسب اعتقاد الإدارة الأمريكية الحالية أو حسب اعتقاد من يُملي عليها مثل هذه السياسات في الكيان الصهيوني.
وما يؤكّد هذا التوجّه هو جنوح وكلاء الإدارة الأمريكية في المفاوضات النووية مؤخراً نحو تحميل مسؤولية أيّ فشل محتمل للمفاوضات النووية إلى الجانب الإيراني، حيث أعربت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن “شكوك جدية” حيال مدى صدق إيران في السعي للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، محذّرة من أن موقف طهران يقوّض احتمالات إحياء اتفاق 2015.
هذا البيان دفع مندوب روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف، إلى القول: إن بيان الثلاثي الأوروبي الذي ينتقد برنامج إيران النووي جاء في توقيت خاطئ، وفي لحظة بالغة الأهمية في مفاوضات فيينا.
وكتب أوليانوف على “تويتر”: “في غير وقته تماماً.. في لحظة حرجة للمفاوضات في فيينا، وعشية اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
أما وزارة الخارجية الإيرانية فقد أعلنت أن البيان الثلاثي يدفع بمفاوضات إحياء الاتفاق النووي إلى الفشل، ويصبّ في مصلحة الكيان الصهيوني.
أمام كل هذه المعطيات، من الواضح أن الحكومة الألبانية فاقدة لسيادتها على هذا القرار الذي اتُّخذ صراحة في واشنطن المسؤول الفعلي، وأن هذا الأمر يمكن أن يكون تغطية على شيء ما، حتى إن فرضية قيام واشنطن باتخاذ قرار بمعاقبة إيران على ذلك فرضية سخيفة وهي مبرّر غير منطقي للتراجع عمّا اتفق عليه مؤخراً في مفاوضات فيننا، كما أن دخول الأطراف الأوروبية على خط العرقلة عبر البيان الثلاثي الذي اتّهم إيران بعدم الجدّية في المفاوضات، وخاصة أن هذه الأطراف ما انفكّت تؤكد أنها تسعى بالفعل للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إنما يضع مجموعة من علامات الاستفهام، ويؤكد أن هذه الأطراف أيضاً لا تملك قرارها فيما يخص عملية التفاوض، بل إن قرارها هذا تم إملاؤه أيضاً من الكيان الصهيوني كما تقول طهران.
فما معنى أن يتم تفجير المفاوضات النووية بقرار صهيوني؟ وهل كان القرار بعقدها صهيونياً بحتاً؟..
يبدو أن الأمر بالفعل يسير في فلك هذه الفرضيات، لأن المستفيد الفعلي من عرقلة أيّ تقدّم في هذا الاتجاه، والمتضرّر الوحيد من نجاحه، هو الكيان الصهيوني.